الجمعة، 23 أغسطس 2013

قراءة في نص " وصايا الرّيح "

التطهير من خلال الاحتراق كفعل متغير في زمن الريح/ عباس باني المالكي

قراءة نقدية لنص ( وصايا الريح) للشاعرة العراقية كوكب البدري

وصايا الرّيح

1- وصية الرّيح للشّاعر :
خذْ منَ المطرِ زورقَ النّار ،
وامنح الشّعرَ أجراسَ السّماء ِ حين تقرعُ في مساء الوردة
2- وصية الرّيح ِ لفاطمة :
فتّشي عن حبّةِ القمحِ النّابتة في أسطورة القربان والغابة ،
وعلى صدى القرنفل ؛
إطوِي القمرَ في أبيضِكِ
3- وصيّة الرّيح للرّصاصة :
لا تكوني جوازَ سفرٍ لمنفى الوطن ،
ولا ليلةََ بكاءٍ حزينة لعاشِقَيْن ...
وليصلي أزيزك ِ عندَ آذانِ الحرية

4- وصية الرّيح ِ للصّوت الأخضر:كن هاربا بأشجارك ،
وأعشاش عصافيرك ،
وكرات ثلجك ،
وهسهسات موقدك
إلى قنديل صلاتك
و لا تأو لضفاف انكسارك
5- وصية الرّيح للجدار :
لو شئتُ وأقمتـُك َ؛
لن أساوِمَكَ بأجر الغيمة ؛
فلاتكن سوراً يحاصرُ النّخلة
6- وصية الرّيحِ لأحمر الشّفاه :
على ثيابكِ موعده ،
ورسائل المرايا للمرايا .
سأهديكِ حريّتي ،
لكن
لا تسافري ..إلا وعشرون نجمة لعينيه
7- وصية الرّيح للحورية :
لا ترتلي نشيدَ الرّحيلِ على مسمع قلبي ،
ماذا لو تاه في بحارِ الدّمع السّبعة ؟
8- وصية الرّيح للرّماد :
لاتنشر القحطَ في بلاد القلب
ولا تـَلفَّ حول ذاكرتي ؛
خيوطا ؛
تخنقُ ورداً تَفـَتـَّحَ في الرّوح ِ
فقلبي ؛
لم يشعل أشجارك ..!!
9- وصية الرّيح لمحمود درويش :
لاتعتذر عمّا كتبت
فأنت
مصاب ٌ بالياسمين

وصية الريح لكلكاميش10:

بين ثنايا الشّوك ؛
لاترهقها انتظارا

فبين عينيها وقلبك

اسطورة بملمس الرّبيع

حين يتوزع المعنى في أفقية الكتابة للنص الشعري تتسع الدلالات الموزعة على النص المقطعي الى حد يجد المتلقي أن الرؤيا المكونة لفكرة النص هي معاني متحركة بقدر ذائقة المفهوم الوجداني الذي يعطي الى المعنى الداخلي قيمة الوعي في تركيب الهواجس النفسية وفق مقاربة الصورة الذهنية الى اللغة التي تجعل المفردات تضيء هذا الهاجس . لأن لحظة الكتابة هي الصراع ما بين الرؤيا المنعكسة الى داخل الذات والصور المتراكمة في داخل الحافز الصوري في اللاوعي , وهنا يأتي دور الشاعر وقدرته على خلق الصورة البصرية الذهنية التراكمية التي تعطي اللغة وهج أخر من سيميائية الرؤيا , وهنا نجد الشاعرة كوكب البدري استطاعت أن تعطي قيمة الصور المتركبة داخل حافر اللاوعي بعد تناظري جوهري تجعل المعنى يمتد بقدر قدرة الشاعر على بناء اللغة المقاربة لتوتر النفسي في زمن كتابة النص , وهذا ما يجعل النص متغير الدلالات ولكن يبقى المعنى الخفي واحد ., وهذا حالة قد لا نجدها في الكثير من الشعر ,أي أن الشاعرة تأتي بالصورة من تضمين اللاوعي وتحكمها بالوعي الداخلي كتردد نفسي متواتر في خلق البعد الشاسع لصورة الشعرية , وهي قد استندت على الحركة الخارجية في خلق هذه الصور وهي الريح فأصبحت الريح هي البؤرة المتنقلة التي تغير في المعنى حسب اشتراط الصور الشعرية ..

وصية الرّيح للشّاعر :
خذْ منَ المطرِ زورقَ النّار ،
وامنح الشّعرَ أجراسَ السّماء ِ حين تقرعُ في مساء الوردة

الشاعرة هنا اعتمدت الترادف في خلق المتناقض في أيجاد المعنى فما بين المطر وزوق النار ليس هناك علاقة بينهما إلا علاقة التطهير ولكن ليس الى حد عدم امتداد هذه النار الى حرق كل شيء لأن النار التي تشتعل في مطر الريح سوف تنطفئ بسرعة مع وقد استخدمت رموز التطهير النار والمطر لكن ترادف الماء في المطر والنهر لأن الزورق لا يتحرك إلا في النهر والشاعرة قد أعتمت الرمز الموحي في استعارة الزورق النار حيث لا يوجد زورق إلا الذات المتحركة بعمق الاحتراق الذي ينكفئ مع ريح المطر وهذا دلالة على استمرار الموقد المشتعل داخل الذات لكي يستمر الاشتعال حين تصادف هذه الذات لحظة احتراق خارج الذات وكأن تقول الشاعرة أحترق من أجل أن لا أحترق فهناك المطر وما الزورق إلا رحلة في الماء , وهذا معنى يعطي الإشارة بأن هذا الاحتراق ما هو إلا لحظة التطهير من كل شيء يتحرك خارج الذات وفي نفس الوقت خارج المعنى الذي تنتمي إليه , لهذا تطالب بالتطهير منه بالنار والماء كوصايا لرمز التطهير وما الريح إلا القيمة النهائية لهذا التطهير ...

3- وصيّة الرّيح للرّصاصة :
لا تكوني جوازَ سفرٍ لمنفى الوطن ،
ولا ليلةََ بكاءٍ حزينة لعاشِقَيْن ...
وليصلي أزيزك ِ عندَ آذانِ الحرية

والشاعرة هنا تشير الى قيمة الرصاصة في فعلها الحقيقي الذي يسعى الى الانتماء الى الوطن كقضية تحدد اختيارات هذه الرصاصة كفعل استنهاض واضح في الانتماء فما بين (الوطن , والعاشقين , وآذان الحرية) تكمن انتماء هذه الرصاصة فالوطن لا نستطيع أن نحافظ عليه إلا بالعشق له ولكي تبقى الرمز موحي بشكله المفتوح لكي لا تسقط احتمالات التأويل في الضفة الأخرى , أعطت الاستعارة أشارة آذان الحرية لكي يكتمل فعل الاختيار المحدد لشروط قيمة هذه الرصاصة وفعلها الحقيقي الهداف من أجل تحرير الوطن وليس العكس حيث من الممكن أن يحول فعل هذه الرصاصة أزيز وفوضى غير مجدية في الحفاظ على الوطن , وهنا أرادت أن تمدد بالغاية السامية التي تسعى للحفاظ على الوطن بدل أن تصبح الرصاصة فعل في ليل بكاء العاشقين ...
4- وصية الرّيح ِ للصّوت الأخضر :كن هاربا بأشجارك ،
وأعشاش عصافيرك ،
وكرات ثلجك ،
وهسهسات موقدك
إلى قنديل صلاتك
و لا تأو لضفاف انكسارك

نجد هنا الدعوة الى الحياة وطهارتها المرمزة من التحكم بالامتداد بالأنزياح لكي تحقق تكوين التصور الذهني الذي يعطي الى اللغة أشارة الأحياء بالرمز الموحي ضمن استبطان الحركة على الحفاظ على الحياة داخلنا بدل من التفريط بها , فالهروب هنا هو المقاومة بالحفاظ على الروح من التلوث والهزيمة بها والابتعاد عن هذا التلوث فتمثل الأشجار رمز الحياة المورق بالهدف النبيل والعصافير هي إلا أشارة الى البراءة لكن هنا يخرج السؤال ما فحوي أن تكون الشجرة محملة بأعشاش العصافير و والشاعرة هنا أرادت أن توحي بأن الحياة لا يكمن أن تكون إلا بالبراءة والطيبة , فأمتد هذا التصور الرؤيوي لاستمرار التصور الفعل الذهني التصوري بخلق الصورة المتركبة المكثفة بالمعنى المزدوج لإعطاء الطيبة والبراءة رمز تعمق مع اللغة ومن أجل تثبت الفعل الممتد بالإشارة الى هذه البراءة والطيبة الموحية بالطهارة جاءت ( كرات الثلج ) من أجل تكتمل الإيحاء الممتد لا المنعكس على قيمة كل هذه الرموز الموحية بخلق الصورة الأفقية المتعمقة ببيان اللغة وبلاغتها الموحية بالكثير من المعنى وأصبح لدينا (الشجر , العصافير , الثلج ) هو تثبيت أفق الصورة في مكنون النص ويأتي( الموقد ,الصلاة ) من أجل أن يكتمل الأيمان والدفء في اختيار الطيبة كرمز حقيقي للحياة , ولكن قد يسبب هذا الاختيار الانكسار لأن فعل الطيبة والبراءة هو العطاء , والشاعرة أعطت لاكتمال هذا من بداية المقطع قد نستطيع أن نقرا المقطع بشكل معكوس لكي نرى كم أرادت الشاعرة أن تحيلنا الى المعنى الثابت بقناعتها الجوهرية اتجاه الحياة وتمسكها بالطيبة والبراءة كرمز مطهر الى الحياة من كل الانكسارات التي تجعل نخسر الكثير حين (تأو لضفاف انكسارك ) لأن الخسارة هو انكسار كل هذا داخلنا وما يجعلنا أن ننهزم من الداخل بدل

أن نحافظ على قنديل الصلاة داخل روحنا ....
8- وصية الرّيح للرّماد :
لاتنشر القحطَ في بلاد القلب
ولا تـَلفَّ حول ذاكرتي ؛
خيوطا ؛
تخنقُ ورداً تَفـَتـَّحَ في الرّوح ِ
فقلبي ؛
لم يشعل أشجارك ..!!

ما هذا المقطع إلا تأكد على أن رمز الريح ما هو إلا أشارة الى النقاء والطهر , حيث يكون هنا التساؤل ما بعد حدوث الاحتراق حيث تكون وصية الريح للرماد , فلو بحثنا عن الدلالة التي توحي في حالة أن تعطي الريح وصايا والشاعرة توسعت بترميز الحالة لكي تعطي العمق المراد بالمدلول المترتب على الريح بأن تصبح هي الناموس الذي يحقق الرؤيا التي ختمتها الفكرة بتقارب الرمز من هذا المدلول بالإشارة على الاستعارة المتواجدة ضمن الفكرة ,فتصبح فكرة الريح هي بؤرة النص المتشابكة في مقطعية النص , حيث أن النص تحول من التصاعد الدرامي ضمن الدلالة الواحدة الى عدت دوال لكنها تعطي المعنى الواحد , وهذا سر توزيع الإيقاع المتموج بتواتر المعنى ضمن المساحة الكلية للنص ويصبح التصاعد الدرامي ضمن شبكة اللغة المستخدمة والموزعة على المقاطع , والشاعرة أنسنة الريح لكي يتم الانتقال بين المقاطع بشكل متشابك وليس القفز على حدود المعنى لكل مقطع وهنا تتصاعد الدالة لكي تحدد امتداد البؤرة التوضيحية للفكرة , فتأتي الفكرة مصاحبة للتحذير (لا تنشر القحطَ في بلاد القلب /ولا تـَلفَّ حول ذاكرتي ؛ /خيوطا ؛ )لأن الفكرة اقتربت من الذات لكي تحدد هذه الوصايا , وقد حدث الانتقال مابين الخارج الى داخل الذات لكي توضح سمات هذا الرماد فما بين القلب والذاكرة تمتد مسافة المعنى لكي تعطي الى الرماد صفة الحياة ولكن في الوقت لا تجعل الحالة المستقرة حولها وفي وعيها المكون لهذه الرؤيا , والشاعر حققت الأبعاد النفسية في رمزية الدالة الموحية ولكن ليس الى حد طغيان الفكرة داخل الذات من خلال الإشارات ( لا تنشر , لا تلف ) لكي تعطي الدالة الاستمرارية ضمن الحياة بالإشارة بأن الرماد ما هو إلا زمن الأخير من التطهير في زمن الاحتراق , وهذا أحياء بأن الذات واعية لأمانيها وأحلامها بحدود الإنسانية بحدود مدن القلب , فهي لم تشعل أشجاره أي أشجار الرماد ولكنها حتمت الاحتراق من أجل أن ترى الحياة أكثر نقاءا وطيبة لهذا جعلت الريح هو الوصي على هذا الرماد لكي لا يحرق مدن القلب وأشجاره ...

وصية الريح لكلكاميش10:

بين ثنايا الشّوك لاترهقها انتظارا

فبين عينيها وقلبك

اسطورة بملمس الرّبيع

وبعد كل هذا المخاض في الدلالات يأتي رمز جلجامش ليوحي بأن الحياة لا تستمر إلا بالنقاء وما جلجامش إلا أشارة بخلود الحياة من خلال الفعل المتغير وهي الريح ولكن كيف يتم هذا الخلود هل من خلال الانتظار وكيف يكون هذا الانتظار في زمن الشوك , والشاعرة هنا تريد أن تقول أن الحياة وجمالها الحقيقي يكمن في العلو والسمو بالحياة فهي لا تريد أن يكون انتظارها غير مجدي وسط الشوك لأن الحياة ترتقي قيمتها من خلال أسطرت الحياة بالمعنى والقيم النبيلة والجالية التي تعطي الى الحياة ملمس الربيع فما بين عينيها وقلبها تكمن أسطورة الحياة التي تراها بعينها وقلب هذا النقاء , وفلا يكمن أن تكون الحياة بقيمتها العالى ( أسطورة بملمس الربيع ) إلا بأن ترى الحياة ربيع دائم في كل شيء , وهنا أحتمت الشاعرة أن النقاء يأتي من خلال التطهير بالنار والاحتراق لكن بانتهاء زمن الرماد الذي ينتهي من خلال زمن الريح , والشاعرة استطاعت أن تحكم مسيرة المعنى من خلال مقطعية النص وجعل التراكب في امتدادي للصور التصاعدية في تداخل المعنى القريب مع المدلول أي أن المدلون هنا أمتد أكثر من الدالة لأن الدالة هنا هي الريح ذلك الفعل المتغير في شرطية الجملة الشعرية المتكونة من الرؤيا الموحية بعمق المفردة اللغوية التي استطاعت الشاعرة أن تثيرها وتحملها المعنى الواسع في فكرة النص فجاء النص انسيابي برغم المقاطع فقد بقى المعنى موحد ومتقارب بالإشارة الذهنية الصورية للرؤيا الكلية داخل النص وكانت اللغة معبرة بشكل كامل لهذه الرؤيا وفكرتها المكونة لتشعب هذه الرؤيا ضمن المقاطع جميعها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق