السبت، 3 فبراير 2018

ياالله ، كم يشبهك!!

ياالله ، كم يشبهك!!

قَسَماً لم أكن نائماً ، ولا نصف نائم ، ولا ربع أو عشر نائم، ولا سارحاً حين سمعتُ صوتاً لامرأة، يقول " ياالله كم يشبهكَ "!! أقسسسم.. صدّقوني، حتّى أنني قفزتُ من مكاني ؛ وهذهِ العبارة تتصلصلُ بين أضلاعي وتنفضُ قلبي نفضاً . لقد كنتُ بكامل الوعيّ حين خرج العمّال من البيت الجديد الذي أستأجرته ، وبكامل إرادتي وعزمي حين قررتُ تغيير موقع الطّباخ الذي تركه العمّال في مُوَزّع البيت ، فسحبته وحيدا نحو المطبخ ونحو الرّكن الذي تراه زوجتي بأنّه الأنسب لاستقرار الطّباخ، هناك تحت فتحة مفرغة الهواء التي .. آهٍ يااصدقائي، كنتُ أجيلُ ببصري بين الطّباخ وبين فتحة مفرغة الهواء حين سمعتُ صوتَ امرأة مندهشاً ويقول : " ياالله كم يشبهك "! وخيل لي أنّي رأيتُ طيف امرأة تلاشى ماإن التفتُّ للوراء والرّعب يملؤني ، نعم أقول خُيّلَ لي طيف امرأة ؛لأنّي موقن كما فهمت منذ صغري أنّه لاأشباح مرعبة في رابعة النّهار ، فمابالك والوقت كان في الصّباح الباكر!!؟
كان ذلك قبل يومين ، أمّا الأمس واليوم فقد تكررتْ الحالة بطريقة لاتقبل الشّك ولا تحتمل أيّ تأويل ، وبتُّ متأكداً بأنّ البيت الذي استأجرته مسكونُ بطيفِ امرأة ؛ تردد " ياالله كم يشبهك!" . فمن هذ الذي أشبهه ؟ والذي يجعل هذا الطّيف رقيقا ومسالماً بنبرة صوتهِ وكأنّه فرحاً ومبتهجاً بل يبدو أنّه كان ينتظرني لأنني (أشبهه ولاأدري لمن أشبه)، وهذا الطّيف لمن يكون؟ لأنسانٍ أم من قبائل الجّن؟ وزوجتي التي ستلحق بي هنا بعد أسبوع؛ ماذا ستقول؟ ماذا ستبثّ لها نساء الجيران حال وصولها؟ أن صوتاً نسائيا كانَ يصدرُ من البيت عندما كنتُ وحيدا أرتبّه؟ .
ستقولون ربما اعاني من مشاكل في بصري ، لكن صدّقوني لست بحاجة لطبيب عيون؟ لا تظنّوا بي وببصري ظنّ السّوء، موقنٌ أنّه كان طيف امرأة ، امرأة تلاشت قبل لحظات من جديد ماأن لمحتُ دمعة في عينها .. غريب .. غريب هل تبكي الأطياف؟ هل بكاء الطّيف يذهب الرّوع عن قلب من يراه؟ فغريب أنّ الخوف قد زال عنّي فجأة ، بل ، لن أتردد في أنْ أسأل الطّيف عن ذا الذي أشبهه ؟ من يكون؟ وماحكايته؟
******
نعم ياأصدقائي ، نبرتي اليوم حزينة ؛ رغم أنني أخذتُ بالأمس كفايتي من النّوم ، لكن ،تسوّرني حزنٌ كبيرٌ بعد أن عرفتُ حكايةَ طيفِ المرأةِ الذي ظهر لي في الثلاثة أيام الأخيرة و عرفتُ وكلي ألمٌ من يكون هذا الذي أشبهه !! ...
باختصار،هي ليست من أقوام الجن، ولاأشباح الليل ، لكنّها روح ؛ نعم ،روحٌ هنا ، متسمّرةٌ في هذا البيت الذي استأجرته من أخيها الذي لاأدري لمَ لمْ يخبرني بحكاية روح أخته المقيمة بين جدران هذا المنزل ...!
أخبرتني الرّوح بأنّها تنتظر نظرةً أخيرة تُلقِيها على جثمان زوجها المقتول غدرا ، وأنّها وبعد هاتفٍ من مجهول أنبأها بخبر مقتله قد غابت عن الوعي ، أخبروها أنّها قد نقلت للمستشفى ولم يعد وعيها إلا بعد أسبوعين، وحين افاقت طفقت تبحث عنه...
لقد بَحَثَتْ عنه في المستشفيات ، في سجّلات الطّوارئ، في ثلاجات الموتى ، في مكاتب الأحزاب، كل الأحزاب ، في حاويات القمامة ، في الحفر، بين الصّبات الكونكريتية ، جَلَسَتْ على قارعة الطّريق ترقبُ كل المارّة عساه تحظى بحديث مع أي فرد يشبهه أو كل من يرتدي قميصاً يشبه قميص زوجها المفضّل ؛ لتتزود بالصّبر ، سألتْ عنه الجميع الموظفين ، الطّلاب ، شرطة المرور ، المجانين ، والمتسولين ، والمشعوذين ، وقادة الموت العراقي؛ فما وجدتْ غير خاتم زواجهما عند عتبة المنزل ملفوفُ بورقة نقدية فئة (ألف دينار) مضرّجة بآثار دمائه ؛فشهقت ، وماتت ، وظلّت روحها تعيش الانتظار لذلك الجثمان في هذا المنزل...

بكاءُ خيمةٍ في الأربعين





بكاءُ خيمةٍ في الأربعين
إلى بيتي الذي صار ذكرى

خُطَى وَجْدِي تُقَاسِمُنِي اشتِعَالي
 
وتَطْحَنُ في رَحَى المَنْأى ظِلَالِي
  
فلي ذِكرَى تمايسنِي عَذَابَاً
 
لِبَيْتٍ في السّرَى  وَهمَاً بَدَا لي
  
أطُوفُ بِلا مَفاتيحٍ حِمَاهُ
 
فَتَسْبِقُنِي عَنَاوينُ ارْتِحَالِي
  
وَلِي عَيْنٌ مُجَرَّحَةٌ سَهودٌ
 
تُبَاكِينِي ؛ وَكَفُّ مُنَايَ خَالِ
  
وَكَمْ زانَتْ لَوَاحِظَهَا رُمُوشٌ
 
تفَتِّشُ عَنْ عَصَافيرِ الدّلالِ
  
تهدهدها حكاياتٌ لأمّي
 
عن الفرسان في زمن المعالي
  


فَلَا سَهَرٌ يُؤرِقُنِي بِلَيْلٍ
 
ولا صَمْتٌ سَيسْكُنُنِي بِبَالي
  
  ***********
أعَارَتْنِي العَنَادِلُ صوتَ قلبي
 
وزيَّنْتُ القصيدَ بكلِّ غالِ
  
وأهدتني الفراشةُ لونَ حبري
 
فأطرَبْتُ الرّبابةَ من خيالي
  
وَمَا فَطَنَ الفُؤادُ إلِامَ يَسْعَى
 
رُعَاةُ القَهْرِ في سُنَنِ الضّلالِ
  
فَمِنْ بَعدِ الضُّحَى داسُوا دِيَاري
 
على أيٍّ سَأبْكِي يا سِلَالِي
  
على بلَدٍ تهدَّلَ سَاعِدَاهُ
 
وغِيضَ سَنَاهُ في غَورِ الرّمالِ ؟
  
على صَحْبٍ وراءَ الليلِ غَابُوا
 
وما تَرَكُوا سوَى دمعِ الرِّجالِ؟
  
يُشيرُ إلى ضياعِ طريقِ بيتٍ
 
تَـسَرْبَلَ بالشَّظايا والقِتَالِ
  
فَلَا وَرْدٌ على الأغصانِ باقٍ
 
ولا شَجَرٌ يُلَوِّحُ للهلالِ
  
****
  
سَألتُ عَنِ الطَّريق خطوطَ كفّي
 
فَلَمْ تَقْرَأ سوى شدِّ الرِّحالِ
  
ولكنّي كَفَفْتُ الدَّمعَ صَبْرَا
 
وكمْ كانَ اللّظَى فوقَ احتمالي
  
ولَمْ تَسْتَعْذِب العَبَراتِ عَيْنِي
 
لِتَروِي في المعابرِ ما جَرَى لي
  
فَذَا قلبي تَصَدَّعَ من عذابي
 
وما نـسيَ الصّلاة  بكلِّ حالِ
  
وذا بيتي تَشَظَّى في غيابي
 
غريباً لا تُوَاسِيْهُ الليَالي
  

الجمعة، 23 أغسطس 2013

قراءة في نص " وصايا الرّيح "

التطهير من خلال الاحتراق كفعل متغير في زمن الريح/ عباس باني المالكي

قراءة نقدية لنص ( وصايا الريح) للشاعرة العراقية كوكب البدري

وصايا الرّيح

1- وصية الرّيح للشّاعر :
خذْ منَ المطرِ زورقَ النّار ،
وامنح الشّعرَ أجراسَ السّماء ِ حين تقرعُ في مساء الوردة
2- وصية الرّيح ِ لفاطمة :
فتّشي عن حبّةِ القمحِ النّابتة في أسطورة القربان والغابة ،
وعلى صدى القرنفل ؛
إطوِي القمرَ في أبيضِكِ
3- وصيّة الرّيح للرّصاصة :
لا تكوني جوازَ سفرٍ لمنفى الوطن ،
ولا ليلةََ بكاءٍ حزينة لعاشِقَيْن ...
وليصلي أزيزك ِ عندَ آذانِ الحرية

4- وصية الرّيح ِ للصّوت الأخضر:كن هاربا بأشجارك ،
وأعشاش عصافيرك ،
وكرات ثلجك ،
وهسهسات موقدك
إلى قنديل صلاتك
و لا تأو لضفاف انكسارك
5- وصية الرّيح للجدار :
لو شئتُ وأقمتـُك َ؛
لن أساوِمَكَ بأجر الغيمة ؛
فلاتكن سوراً يحاصرُ النّخلة
6- وصية الرّيحِ لأحمر الشّفاه :
على ثيابكِ موعده ،
ورسائل المرايا للمرايا .
سأهديكِ حريّتي ،
لكن
لا تسافري ..إلا وعشرون نجمة لعينيه
7- وصية الرّيح للحورية :
لا ترتلي نشيدَ الرّحيلِ على مسمع قلبي ،
ماذا لو تاه في بحارِ الدّمع السّبعة ؟
8- وصية الرّيح للرّماد :
لاتنشر القحطَ في بلاد القلب
ولا تـَلفَّ حول ذاكرتي ؛
خيوطا ؛
تخنقُ ورداً تَفـَتـَّحَ في الرّوح ِ
فقلبي ؛
لم يشعل أشجارك ..!!
9- وصية الرّيح لمحمود درويش :
لاتعتذر عمّا كتبت
فأنت
مصاب ٌ بالياسمين

وصية الريح لكلكاميش10:

بين ثنايا الشّوك ؛
لاترهقها انتظارا

فبين عينيها وقلبك

اسطورة بملمس الرّبيع

حين يتوزع المعنى في أفقية الكتابة للنص الشعري تتسع الدلالات الموزعة على النص المقطعي الى حد يجد المتلقي أن الرؤيا المكونة لفكرة النص هي معاني متحركة بقدر ذائقة المفهوم الوجداني الذي يعطي الى المعنى الداخلي قيمة الوعي في تركيب الهواجس النفسية وفق مقاربة الصورة الذهنية الى اللغة التي تجعل المفردات تضيء هذا الهاجس . لأن لحظة الكتابة هي الصراع ما بين الرؤيا المنعكسة الى داخل الذات والصور المتراكمة في داخل الحافز الصوري في اللاوعي , وهنا يأتي دور الشاعر وقدرته على خلق الصورة البصرية الذهنية التراكمية التي تعطي اللغة وهج أخر من سيميائية الرؤيا , وهنا نجد الشاعرة كوكب البدري استطاعت أن تعطي قيمة الصور المتركبة داخل حافر اللاوعي بعد تناظري جوهري تجعل المعنى يمتد بقدر قدرة الشاعر على بناء اللغة المقاربة لتوتر النفسي في زمن كتابة النص , وهذا ما يجعل النص متغير الدلالات ولكن يبقى المعنى الخفي واحد ., وهذا حالة قد لا نجدها في الكثير من الشعر ,أي أن الشاعرة تأتي بالصورة من تضمين اللاوعي وتحكمها بالوعي الداخلي كتردد نفسي متواتر في خلق البعد الشاسع لصورة الشعرية , وهي قد استندت على الحركة الخارجية في خلق هذه الصور وهي الريح فأصبحت الريح هي البؤرة المتنقلة التي تغير في المعنى حسب اشتراط الصور الشعرية ..

وصية الرّيح للشّاعر :
خذْ منَ المطرِ زورقَ النّار ،
وامنح الشّعرَ أجراسَ السّماء ِ حين تقرعُ في مساء الوردة

الشاعرة هنا اعتمدت الترادف في خلق المتناقض في أيجاد المعنى فما بين المطر وزوق النار ليس هناك علاقة بينهما إلا علاقة التطهير ولكن ليس الى حد عدم امتداد هذه النار الى حرق كل شيء لأن النار التي تشتعل في مطر الريح سوف تنطفئ بسرعة مع وقد استخدمت رموز التطهير النار والمطر لكن ترادف الماء في المطر والنهر لأن الزورق لا يتحرك إلا في النهر والشاعرة قد أعتمت الرمز الموحي في استعارة الزورق النار حيث لا يوجد زورق إلا الذات المتحركة بعمق الاحتراق الذي ينكفئ مع ريح المطر وهذا دلالة على استمرار الموقد المشتعل داخل الذات لكي يستمر الاشتعال حين تصادف هذه الذات لحظة احتراق خارج الذات وكأن تقول الشاعرة أحترق من أجل أن لا أحترق فهناك المطر وما الزورق إلا رحلة في الماء , وهذا معنى يعطي الإشارة بأن هذا الاحتراق ما هو إلا لحظة التطهير من كل شيء يتحرك خارج الذات وفي نفس الوقت خارج المعنى الذي تنتمي إليه , لهذا تطالب بالتطهير منه بالنار والماء كوصايا لرمز التطهير وما الريح إلا القيمة النهائية لهذا التطهير ...

3- وصيّة الرّيح للرّصاصة :
لا تكوني جوازَ سفرٍ لمنفى الوطن ،
ولا ليلةََ بكاءٍ حزينة لعاشِقَيْن ...
وليصلي أزيزك ِ عندَ آذانِ الحرية

والشاعرة هنا تشير الى قيمة الرصاصة في فعلها الحقيقي الذي يسعى الى الانتماء الى الوطن كقضية تحدد اختيارات هذه الرصاصة كفعل استنهاض واضح في الانتماء فما بين (الوطن , والعاشقين , وآذان الحرية) تكمن انتماء هذه الرصاصة فالوطن لا نستطيع أن نحافظ عليه إلا بالعشق له ولكي تبقى الرمز موحي بشكله المفتوح لكي لا تسقط احتمالات التأويل في الضفة الأخرى , أعطت الاستعارة أشارة آذان الحرية لكي يكتمل فعل الاختيار المحدد لشروط قيمة هذه الرصاصة وفعلها الحقيقي الهداف من أجل تحرير الوطن وليس العكس حيث من الممكن أن يحول فعل هذه الرصاصة أزيز وفوضى غير مجدية في الحفاظ على الوطن , وهنا أرادت أن تمدد بالغاية السامية التي تسعى للحفاظ على الوطن بدل أن تصبح الرصاصة فعل في ليل بكاء العاشقين ...
4- وصية الرّيح ِ للصّوت الأخضر :كن هاربا بأشجارك ،
وأعشاش عصافيرك ،
وكرات ثلجك ،
وهسهسات موقدك
إلى قنديل صلاتك
و لا تأو لضفاف انكسارك

نجد هنا الدعوة الى الحياة وطهارتها المرمزة من التحكم بالامتداد بالأنزياح لكي تحقق تكوين التصور الذهني الذي يعطي الى اللغة أشارة الأحياء بالرمز الموحي ضمن استبطان الحركة على الحفاظ على الحياة داخلنا بدل من التفريط بها , فالهروب هنا هو المقاومة بالحفاظ على الروح من التلوث والهزيمة بها والابتعاد عن هذا التلوث فتمثل الأشجار رمز الحياة المورق بالهدف النبيل والعصافير هي إلا أشارة الى البراءة لكن هنا يخرج السؤال ما فحوي أن تكون الشجرة محملة بأعشاش العصافير و والشاعرة هنا أرادت أن توحي بأن الحياة لا يكمن أن تكون إلا بالبراءة والطيبة , فأمتد هذا التصور الرؤيوي لاستمرار التصور الفعل الذهني التصوري بخلق الصورة المتركبة المكثفة بالمعنى المزدوج لإعطاء الطيبة والبراءة رمز تعمق مع اللغة ومن أجل تثبت الفعل الممتد بالإشارة الى هذه البراءة والطيبة الموحية بالطهارة جاءت ( كرات الثلج ) من أجل تكتمل الإيحاء الممتد لا المنعكس على قيمة كل هذه الرموز الموحية بخلق الصورة الأفقية المتعمقة ببيان اللغة وبلاغتها الموحية بالكثير من المعنى وأصبح لدينا (الشجر , العصافير , الثلج ) هو تثبيت أفق الصورة في مكنون النص ويأتي( الموقد ,الصلاة ) من أجل أن يكتمل الأيمان والدفء في اختيار الطيبة كرمز حقيقي للحياة , ولكن قد يسبب هذا الاختيار الانكسار لأن فعل الطيبة والبراءة هو العطاء , والشاعرة أعطت لاكتمال هذا من بداية المقطع قد نستطيع أن نقرا المقطع بشكل معكوس لكي نرى كم أرادت الشاعرة أن تحيلنا الى المعنى الثابت بقناعتها الجوهرية اتجاه الحياة وتمسكها بالطيبة والبراءة كرمز مطهر الى الحياة من كل الانكسارات التي تجعل نخسر الكثير حين (تأو لضفاف انكسارك ) لأن الخسارة هو انكسار كل هذا داخلنا وما يجعلنا أن ننهزم من الداخل بدل

أن نحافظ على قنديل الصلاة داخل روحنا ....
8- وصية الرّيح للرّماد :
لاتنشر القحطَ في بلاد القلب
ولا تـَلفَّ حول ذاكرتي ؛
خيوطا ؛
تخنقُ ورداً تَفـَتـَّحَ في الرّوح ِ
فقلبي ؛
لم يشعل أشجارك ..!!

ما هذا المقطع إلا تأكد على أن رمز الريح ما هو إلا أشارة الى النقاء والطهر , حيث يكون هنا التساؤل ما بعد حدوث الاحتراق حيث تكون وصية الريح للرماد , فلو بحثنا عن الدلالة التي توحي في حالة أن تعطي الريح وصايا والشاعرة توسعت بترميز الحالة لكي تعطي العمق المراد بالمدلول المترتب على الريح بأن تصبح هي الناموس الذي يحقق الرؤيا التي ختمتها الفكرة بتقارب الرمز من هذا المدلول بالإشارة على الاستعارة المتواجدة ضمن الفكرة ,فتصبح فكرة الريح هي بؤرة النص المتشابكة في مقطعية النص , حيث أن النص تحول من التصاعد الدرامي ضمن الدلالة الواحدة الى عدت دوال لكنها تعطي المعنى الواحد , وهذا سر توزيع الإيقاع المتموج بتواتر المعنى ضمن المساحة الكلية للنص ويصبح التصاعد الدرامي ضمن شبكة اللغة المستخدمة والموزعة على المقاطع , والشاعرة أنسنة الريح لكي يتم الانتقال بين المقاطع بشكل متشابك وليس القفز على حدود المعنى لكل مقطع وهنا تتصاعد الدالة لكي تحدد امتداد البؤرة التوضيحية للفكرة , فتأتي الفكرة مصاحبة للتحذير (لا تنشر القحطَ في بلاد القلب /ولا تـَلفَّ حول ذاكرتي ؛ /خيوطا ؛ )لأن الفكرة اقتربت من الذات لكي تحدد هذه الوصايا , وقد حدث الانتقال مابين الخارج الى داخل الذات لكي توضح سمات هذا الرماد فما بين القلب والذاكرة تمتد مسافة المعنى لكي تعطي الى الرماد صفة الحياة ولكن في الوقت لا تجعل الحالة المستقرة حولها وفي وعيها المكون لهذه الرؤيا , والشاعر حققت الأبعاد النفسية في رمزية الدالة الموحية ولكن ليس الى حد طغيان الفكرة داخل الذات من خلال الإشارات ( لا تنشر , لا تلف ) لكي تعطي الدالة الاستمرارية ضمن الحياة بالإشارة بأن الرماد ما هو إلا زمن الأخير من التطهير في زمن الاحتراق , وهذا أحياء بأن الذات واعية لأمانيها وأحلامها بحدود الإنسانية بحدود مدن القلب , فهي لم تشعل أشجاره أي أشجار الرماد ولكنها حتمت الاحتراق من أجل أن ترى الحياة أكثر نقاءا وطيبة لهذا جعلت الريح هو الوصي على هذا الرماد لكي لا يحرق مدن القلب وأشجاره ...

وصية الريح لكلكاميش10:

بين ثنايا الشّوك لاترهقها انتظارا

فبين عينيها وقلبك

اسطورة بملمس الرّبيع

وبعد كل هذا المخاض في الدلالات يأتي رمز جلجامش ليوحي بأن الحياة لا تستمر إلا بالنقاء وما جلجامش إلا أشارة بخلود الحياة من خلال الفعل المتغير وهي الريح ولكن كيف يتم هذا الخلود هل من خلال الانتظار وكيف يكون هذا الانتظار في زمن الشوك , والشاعرة هنا تريد أن تقول أن الحياة وجمالها الحقيقي يكمن في العلو والسمو بالحياة فهي لا تريد أن يكون انتظارها غير مجدي وسط الشوك لأن الحياة ترتقي قيمتها من خلال أسطرت الحياة بالمعنى والقيم النبيلة والجالية التي تعطي الى الحياة ملمس الربيع فما بين عينيها وقلبها تكمن أسطورة الحياة التي تراها بعينها وقلب هذا النقاء , وفلا يكمن أن تكون الحياة بقيمتها العالى ( أسطورة بملمس الربيع ) إلا بأن ترى الحياة ربيع دائم في كل شيء , وهنا أحتمت الشاعرة أن النقاء يأتي من خلال التطهير بالنار والاحتراق لكن بانتهاء زمن الرماد الذي ينتهي من خلال زمن الريح , والشاعرة استطاعت أن تحكم مسيرة المعنى من خلال مقطعية النص وجعل التراكب في امتدادي للصور التصاعدية في تداخل المعنى القريب مع المدلول أي أن المدلون هنا أمتد أكثر من الدالة لأن الدالة هنا هي الريح ذلك الفعل المتغير في شرطية الجملة الشعرية المتكونة من الرؤيا الموحية بعمق المفردة اللغوية التي استطاعت الشاعرة أن تثيرها وتحملها المعنى الواسع في فكرة النص فجاء النص انسيابي برغم المقاطع فقد بقى المعنى موحد ومتقارب بالإشارة الذهنية الصورية للرؤيا الكلية داخل النص وكانت اللغة معبرة بشكل كامل لهذه الرؤيا وفكرتها المكونة لتشعب هذه الرؤيا ضمن المقاطع جميعها

الجمعة، 2 أغسطس 2013

"سعد سعيد مسافرٌ عبر الزّمن"

"سعد سعيد مسافرٌ عبر الزّمن"


إنّ أحسن العوالم هو كتابٌ يعالجُ المستقبل
" هكسلي"

لعل الحكايات الموغلة في الخيال العلمي تمتد جذورها إلى عالم الأساطير الذي ركن إليه أسلافنا ؛ حين فسّروا الظّواهر الطّبيعية التي أحاطت بهم تفسيرا يتناسب ومعتقداتهم وماتوصل إليه نتاجهم العلمي والإنساني ؛ فكتبوا الأساطير حول قوس قزح والعواصف والنبات والحياة والموت ، ثم انتقلوا إلى عصور أخرى تحدثوا فيها عن حروبهم مع الجن ثم عن بساط الرّيح، وطاقية الإخفاء ، ومصباح علاء الدّين، وأحلام الطيران عند عباس بن فرناس ، فكانت تلك الحكايات والأساطير تبدو كمحاولات لإماطة اللثام عن عوالم الغيب والمجهول أو ماقد يحمله الغد ، وربما كانت كأنّها تدوين لأمنيات قادمة لمستقبل آتٍ أفضل مما هو عليه الحاضر وتحقيق لتطلعات الإنسان بأن ينعم بزمانٍ يكون به المكان أكثر أمنا وصلاحا ، وإنسانية ...
وأدب الخيال العلمي بشكله الحالي ؛ والذي يحمل تأسيسُهُ توقيعَ كلاً من "جون فيرن" ، و"أتش جي ويلز"؛ الذي حدّث العالم عن إمكانية السّفر عبر الزّمن بواسطة " ماكنة إستكشاف الزّمن" .
هذا الأدب المعتمد على نظريات الفيزياء الحديثة في النّسبية والميكانيك الكمّي ، ومن ثمّ نظريتا الأوتار الفائقة ، والأبعاد التّسعة ؛ اللتان فتحتا أمام مخيلة وإبداع كتّاب هذا النّوع الأدبي فضاءات ، وأكوان ، وأزمنة رحبة ومتداخلة ؛ ألهمت الروائيين وصناع السّينما بعشرات القصص التي تتحدث عن السّفر إلى الماضي أوإلى المستقبل .
لقد تمكن هذا النّوع الأدبي ومنذ الحرب ( الأمريكية – الإسبانية) في العام 1898 من أن يضيف لنفسه صفة فيزيائية تصف كائنات مجهولة وافدة من العالم الخارجي ،أي أنّ عامل الحرب وماعانته الشّعوب هي التي دفعت الكتّاب والمفكرين ومنهم الرّوائي العراقي سعد سعيد للإنزياح نحو هذا الجنس الأدبي؛ لتحقيق شيئا من التّوازن النّفسي ، وإعادة بناء الأمل في الرّوح التي دمّرتها كارثة الحروب ، رغم ماقد يشوب بعض روايات هذا النّوع الأدبي من نهايات مفجعة بحق الانسانية وكوكبنا الأرضي ، مثل رواية (الطّريق) للأمريكي ( كورماك مكارثي)...
فالرّوائي سعد سعيد قد جمع في عدد من رواياته مثل : ( الدّومينو 2007 ) ، وياحادي العيس (2010)، وفيرجواليه ( 2012) كل الهواجس المتناقضة التي يحملها "مفكرو" أدب الخيال العلمي لكن ببصمته العراقية الخاصّة ، وكأن مامرّ به العراق منذ عقود من الزّمان جعلت الغد المجهول و(المنتظر) يفرض نفسه بقوة في رواياته . ففي الوقت الذي يؤكد به "جون فيرن " : (أن وجود خيال علمي يستلزم وجود علم حقيقي وتاريخ حقيقي ) نجد أنّ سعدا يضيف لهذه المقولة قولا ً آخر َ بأنّه : ( يستلزم وجود جحيم حقيقي ؛ طال الأرض العربية من مشرقها إلى مغربها ، جحيم ضاعت به القدس، واستبيحت وخدِّشَتْ به بغداد ، واكتوت الشّام ، وتناثرت شوارع العروبة بين جيش المحتل وجيوش الرّعاع ) . فنجده تارة يحاول أن لايوغلَ كثيرا في سفره عبر الزّمن ، بل يكتب خيالاته في الحاضر كما في فرجواليه ؛ وكأنّه يحاذر من أن يطول بنا الأمد في مطبات الحروب والكوارث المتلاحقة وفي تارة أخرى يسافرُ بحرية لاحدود لها بين البوابات الزّمنية في روايتي ياحادي العيس والدّومينو ؛ لايخشى مثل تلك الدّورية التي كتبها ( بول أندرسون ) في روايته (دورية الزّمن) حين يصف بها مجموعة تسمى بالـ ( الدانيلييون ) الذين يعيشون لأكثر من مليون سنة ويخشون التّصرفات السّيئة لقراصنة الزّمن الذين يمكن أن يؤثروا على مصيرهم فيشكلون دورية مكلفة بمهمة الشّرطة على طرقات الزّمن ، ولماذا يخشى؟ وهو قد حمل هم الإنسانية في رحلاته الزّمنية هذه ، وأخبر العالم في رواية "الدّومينو" عن سر طاقة المستقبل المستخلصة من معدن " الجبّاري " نسبة إلى عبد الجبار ذلك الرّجل الفذ الذي يحلم به سعد سعيد مفكرا وملهما وقائدا للبلاد العربية ، وحين توصل أحد ابطال رواية الدّومينو – فاهم – إلى الطّريقة التي تنشطر بها النّواة إنشطارا باردا لايتسبب في تلك الكوارث التي تلحقها المفاعلات النّووية في البيئة وفي مستقبل كوكبنا الأرضي ومايعانيه من تلوث واحتباس حراري حتى ضاقت الأرض والأحياء بنشاط البشر اللامسؤول ..
كل هذه الأمنيات يسافر بها في أوراق رواية الدومينو؛ التي يرى العرب بها دولة عظمى ، وفلسطين مركز علمي متميز يقصده طلبة العلم رغم كل ماشاب تاريخها من تزوير وتغييب لحقيقة الاحتلال الصّهيوني لها ؛ وكأنّ سعدا يتمنى لو كان هذا كابوسا وأن الدولة التي أغتصبت هي أوغندا وليست بفلسطين خصوصا وأن تاريخ كتابة الرّواية يعود للعام 2000 أي في العام الذي شهد اندلاع انتفاضة الأقصى العظيمة ، ثم نجده يرسمُ صورة براقة للمستقبل العربي ، كما يفعل علماء المستقبليات ، ويكون الكومبيوتر الفائق كومبيوترا عربيا بامتياز والرياضيات العربية ، رياضيات عالمية فيختار تواريخا لها صلة ربما بما شهده قرننا المنصرم ، فتارة نجده في العام 2587 أي بعد ستة مائة عام على ثورة الحجارة الفلسطينية الأولى ، وتارة نجده في العام 2614 أي بعد سبعة مائة عام على الحرب العالمية الأولى التي دخل بها العرب نفق الاستعمار والعملاء والدّخلاء والخونة وتجار دم الشّهداء ومصائر الشّعوب ، وبذلك فهو يرتدّ من جديد للواقع العربي المرير. و مايجعله يشعرُ ونشعرُ بأنه عالق بين الأزمنة التي يسافر بينها - تماما كما يعلقُ المسافرون عبر الزّمن في مجاهلهِ ؛ حين يحدث خطأ في موجات الإشارات التّايكونية التي ترافق رحلاتهم وترشدهم كي يعبروا البوابات الزّمانية بأمان - هي هذه الفوضى العربية ، وهذه الأخطاء الكارثية التي يمارسها صانعو قرارات البلاد العربية و بذلك فهو يعود للماضي بأخطائهم هم ، وليس عن طريق الثّقوب الدّودية ، ولا عن طريق البعد السّادس الذي يتمّ السّفر به إلى الماضي .

كوكب

الأحد، 7 يوليو 2013

مناجاة 1

مناجاة 1
يتسربلُ الليلُ بالشّعرِ،
وبك،
وبطيف الدّروبِ التي حاورت صَخب الرّياحِ ، وصمت الغمام الحزين
يتسربل الليلُ بالشّعر ،
وبك،
وبذكريات نشيدٍ ، حمّلهُ الطّغاةُ وزر ثلاث حروب وحصار ،
وعذاب نخيل تشظّى بين خطايا الملح وصحاري الجراح .
فقم أيّها الشّاعر ..
لاتنبش التّاريخَ بحثا عن معزوفةِ الفينيق والرّماد
لاتسل الرّواةَ عن أغانيّ الفقراء ..
لاتدقّ نوافذ قطارات الرّاحلين؛ باحثا عن لونٍ عاث في عيون السّكارى سهدا وجرحا وضياعا في بريد المنافي والمبعدين ...
فأمام القطارات ثلج لايستقبل قلوب العالقين حبا في غبار البلاد
وخلف المدارات بحرٌ لايصدّ نوايا الباحثين وراءك عن أسرار دجلة حين تهمس للنّخيل : "كن مجدا "..فيكون
قم أيّها الشّاعر ...
أسرجْ زيت الشّعر في قناديل الفقراء
فماعاد في الليل من هوى
ومامالت على الجسر عيونٌ للمها
ومامرّ بدجلة غير صباح أخشى لوتتخطفه قوافل الغرباء ،
والدّخلاء ،
والكاتبين على جباههم :
نحن سياط الجوع
ونبال الخوف
وحبل النّزيف الممتد منذ زمان هولاكو
ونحن ..
نحن الرّيحُ المنذورةُ بوجهِ شمعةٍ تضيءُ ابتسامةَ الوليد..
فقم أيّها الشّاعر ..
وشرّد بهم من خلف سمّ الكلام ،
ولتعد شمسُ العراقِ بيضاءَ من غير سوء وحيا للسّنابل ،
مضرّجةً بالرّسائل بين المحابر ِ ، والمنابر ، وهمس حكايات الغرام ...








الخميس، 18 أبريل 2013

حنين إلى ص .ب \ 244

حنين الى ص . ب / 244

ماالذي دفعني اليوم - وبعد أعوام خمسة مرت على احتراق صندوق بريدي - لأسلك درب دائرة البريد من جديد ، رغم الضباب المتكاثف منذ ليلة امس ؟!! تراه الضباب كعادته أوقد ذلك الحنين الغريب ؛ لأوغل بين جزيئاته ،علّني أصادف زمناً مماضاع ؟ أو شعاعا خافتا ؛ينبعث من صندوق بريدي لكلمات كانت تتجاوز عمر الحصار الطويل الطويل ، و مازالت تهمس لي من أظرف المكاتيب :
"
--  " - طرطوس تشتاقك ِ


- انتظرك ِ ، وسكيكدة تنتظر ! ..

- ليتنا نقضي اوقاتا طيبة عند خليج عگار ..

- كل الأهل في حلب يتساءلون عن سر غياب مكاتيبك ، لاتقطعي عنّا هواء العراق ..

- سازرع مع زملائي نخلة قرب شجرة الزيتون عند مدخل المخيم ..
- هل بإ مكان شمس الإسكندرية ان تمنح الليل العراقي المحاصر بالبرد دفئا ؟

- يخيل إلي أن صوت عقبة بن نافع ينبعث مع كل أذان للصلاة من مسجد القيروان ؛ هاتفا : لاتنسوا اطفال ونساء العراق ..

- من جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم أرفع يدي بالدعاء لكم أن يرفع الله بلاء الحصار عنكم ..."



نعم ؛
كان الحصار في ليالي عرسه الوحشية ..!
نعم ؛
كان يمد مخالبه ، يغرزها في ثواني ودقائق سنوات الوطن ، وفي خضرة الأشجار فيتأخر الرّبيع عاما بعد عام حتى ضيعت الأرض مواعيدها ، ومامن سرب قطا مهاجر ٍكان قد عاد لي ، ولاعصفور دوري حط ّ على شباكي ..!
وألف نعم ؛
كنت أمارس الحياة خلف أسوار الحصار؛ في رسائلي ..! وأعيش حلم خلاص الوطن بين زوايا صندوق بريدي ، وأكتب البكاء كلما خطّ لي صديق : " كل البلاد بلادنا ونصيبنا
منها بريد " *..!!
**********
تزايدت كثافة الحنين الموجع كلما توغلت في الدّرب أكثر ، وبَرَق َوميضُ الذّكريات مع كل ركن مررت به؛ وكنت قد نسيته ؛ بعيدا في مجاهل الذاكرة منذ ذلك الصباح الموشوم بالليل في وجداني ، منذ ذلك الصباح الموشوم بجرح مباغت لمّا علمت أن قصف مابعد منتصف الليل الفائت قد انتخب صندوق بريدي حطبا له ، واني أصبحت في عزلة حتى في وطني ، عزلة ستنأى بي عن تمر البصرة وقمح الحويجة وليل الموصل وأغاني الشّطرة ..!
فهل كان الطّيار الأمريكي يتربصني ؟ أو ينتظر لحظة ؛ يقطع بها شريانا من صبر ٍ وخفقة من ثبات ؟ هل كان يقرأني ومكاتيبي ؟ ويعلم أنّه حين يأخذ صندوق بريدي ، فإنه سيأخذ ماتبقى لي من جمال في زمان الحصار القاحل ، وإني ّ سأدخل زمان الإحتلال والتّشظي عارية الرّوح من الأمل حتى بمكتوب صغير مسافر من الجنوب ؟ !!
********
تراكمت ذكريات لحظاتي الأولى حين مررت ببقايا دائرة البريد في يومها السّابع من الموت ، تجمع الصّمت في ذاكرتي تماما كالصمت الذي سكنني لمّا دَخَلَتْ قوات الاحتلال شوارع المدينة أول مرة ! "لقد خرج الاف من الناس يشاهدونها وبقيت معتزلة في صومعتي ؛ فمشهد المارينز يمرون من تحت قوس النّصر شل ّ قدرتي على فهم أو استيعاب معنى ً لمايحصل ، ويحترق !!".. حتى أطل فجأة ذلك البيت المنعزل ،المصبوغ بالزهري الفاتح ، والذي ولّى وجهه شطر مغيب الشّمس ، كم كان يثير خيالي بحكايات القصر المسحورحين أمر به ، وحكايات المئة يوم ويوم ؛حين كانت تُتْلى على الأميرة زليخة لمّا وجدت صورة أمير جميل في قلب الوردة ،وصممت أن تبحث عنه لولا فكرة نساء القصر أن يقصُصْن َ عليها حكايات تنسيها أمير الوردة ..!! كم كان قلبي يميد يمينا وشمالا مع اهتزاز سعف نخلته التي جاورت بوابته بشموخ الوحيد في زمانه المكتض بالخوف والمجهول ..! وهاهو مازال بعزلته ولونه الزهري .. ونخلته !! يثير حنينا آخرَ لتفاصيل درب صندوق البريد ..
اضطرب القلب لحظة وصولي الاستدارة وعبورها ، كنت قد تهيأت لملاقاة عيني شرطي المرور"النّقيب حسام" اللتين تعودتا التّرحيب بي ببسمة ٍ ؛منذ يوم زجره لي حين كادت سيارة أن تدهسني ؛صباح خرجت من دائرة البريد وحقيبتي مضطربة معي ؛ كأنّها حَوَت طنا من المتفجرات ، وليس مكتوبا حمل إسما غاب في المنفى منذ عامين..!! . لكني اليوم لم اجد النّقيب حسام ولامظلته ! ، إنّما ككل شوارع المدينة ؛ وجدت ثكنة ً عسكرية يسوّرها ضباب اليوم الكثيف ، تتقاسمها وجوه غريبة ؛ تزرع مشانق بين الشمس وبيني تماما كصواريخ الحرب التي زرعت ركاما بين صندوق بريدي وبيني ...!!

*كل البلاد بلادنا ونصيبنا منها بريد ...مقطع شعري للراحل محمود درويش






الخميس، 3 يناير 2013

هاجس في رواية الحفيدة الأمريكية
هل تتناسل الجيوش المهزومةعلى خصب هذه الأرض وبين هذين الرّافدين ؟ سؤال طرحته (الحفيدة الأمريكية ) زينة ، وظل صداه يتردد في زوايا المحبرة - المتخيلة بالطّبع - لكل شاعر ؛ فقد هزمتها التّكنولوجيا ؛ تماما كما هزمتْنا الطّائرات الأمريكية وتكنولوجيتها العسكرية مرتين خلال عقد ونصف من الزّمن ... لذا لابد أن اكتب الآن :"سؤال ظلّ صداه يتردد في زوايا اللاب توب" مادام لامفر من الاعتراف بالهزيمة (الممتدة منذ زمان هولاكو) أمام صراحة " زينة" ابنة المذيع المطارد سياسيا والتي اختصرت القول ونظريات ومصطلحات علم النّفس والاجتماع وسيكولوجية الطّفولة والمراهقة بقولها :
"لم يردني حليبي إلى بغداد
سلختني منها الكارثة وأعادتني إليها الكارثة
فمن له الحق في حسابي ؟ "
فبين واقع الوطن المحتل بمجنزرات لاقِبَلَ لنا بها ، قامت بالتّعاقب على اغتصاب شوارعنا ومدننا كحفنة من الرّعاع ، وبين واقع إنساني آخر للشّابة زينة ،لم ألمسه قبلا ولم أظن بحتمية وجوده أو بإمكانية وقوفه منكسرا أمام خطوط باللون الأحمر ، نهضت الرّوائية المبدعة أنعام كجة جي بكل جرأة تقتحم هذا الحد الفاصل وتضعني أمام حالة المترجمة زينة التي حمدت الله أنّ القدرلم يضعني في طريقها والتقيها في العراق؛ لأني حتما لم أكن لأمدّ لها يدا ، ولأشحتُ بوجهي عن شجنها العميق ومعاناتها من التّشظي بين عراقيتها و(أمريكيتها) ، رغم إدراكي لتاريخ الكارثة التي أوصلتها لأن تكون مجندة ينتهي بها الحال ان ترمي ببدلتها الخاكية في برميل المطبخ بعد انتهاء مدة عقدها كمترجمة بين صفوف قوات جيش الاحتلال الأمريكي : "وضعت بدلتي الخاكية في كيس ورميتها في برميل المطبخ" ..
حتّى لكأنّي لمحتُ سماءً قاتمة رأيتها تظلل عالمها بعد وفاة جدتها وبعد عودتها لموطنها البديل ، بل إنّها سماء مثلجة تارة ، وشاحبة تارة أخرى وشوارع رمادية تلك التي ينبض خطوها بين ثناياه ،وأرصفته .
فأي شجن هذا الذي ملأ صدرها كعراقية – "عائدة من بغداد لديترويت كخرقة معصورة من خرق مسح البلاط" - تعشق بغداد ، وتردد جملة أبيها :"شلت يميني إذا نسيتك يابغداد"، وتعشق الشّعر العربي إلى درجة حفظها قصائد وأبيات عن ظهر قلب أحرجت بها أخاها في الرّضاعة مهمين ، وكمراهقة تفتحت أحلام شبابها الأمريكي في حي (سيفن مايل ) على وقع دموع أمها ، ونحيبها الصّامت لعسر ذات اليد.. فوجدتْ أنّ مبلغ العقد المبرم هو طوق النّجاة لها ولأمها : "سنة واحدة او سنتين بعدها تعتدل الأموروأغسل صدر أمي من سخام كل السجائرالرخيصة التي دخنَتّها بافراط وهي تنتحب كل ليلة ولا يحجب الحاجز الخشبي بين غرفتينا نحيبها . كانت تبكي ، أحيانا بدون صوت مثل تلفزيون محروق اللمبة وكنت ألمح بلل خديها وأعرف أن النّساء لايبكين من الهجران فحسب بل من شحّة مافي اليد "،
ذلك الشّجن الذي أنتقلت إليّ عدواه من شاشة اللاب توب حتى لكأنّي سمعتها وقد نزّ بها الجرح حين قيّضت لها صديقة جدتها " طاووس" حال (الكلب ابو بيتين ) شبيها لها، وحين انتهى حال زميلها مالك بالانتحار...حتى كيوبيد قد أخطا في رسم صورة لقصة حب تاقت لها فيمنحها حبا مستحيلا لأخ لها في الرّضاعة يشاء حظّها (العراقي) أن يكون منضويا تحت لواء جيش المهدي ...!

أخيرا لاأدري ، لكني أظنّها قد تنبأتْ بهذا الشّجن وبدء صراعها مع المؤلفة ومع جدّتها التي مافتئت تذكر مناسبة عيد الجيش من كل عام مستعيدة ذكريات زوجها العقيد... والتي اعتادت أن تذكرها بقلة أدبها ، وصراعها مع ذاتها ، مع زملائها في جيش الاحتلال ؛ ملخصة حالها بـ :
"من يومها وأنا بدأت أعي إصابتي بأعراض داءِ الشّجن وأتعايش معه ولا أبحث له عن دواء
كيف أقاوم الدّاء الذي أعاد إنجابي
وهدهدني
وكبّرني
وربّاني
وأدّبني فأحسن تأديبي ؟"


كوكب