الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

"الحب والظّلال " رواية الشّعوب المقهورة

"الحب والظّلال " رواية الشّعوب المقهورة




بمشيئة ٍ أجهل مصدرها ، ولاأتمكن الإمساك بخيط يوصلني لمنبعها ، أجدني متشبثة بها وبكلماتها ؛ كاهنة قلبي وعرّابة الأنثى القلقة التي تعشعش في أنفاسي وسَكَنَاتي ؛ إيزايبل ألليندي
ربما يكون مصدر تلك المشيئة هو أرواح بيت كلارا البصيرة بالغيب ؛ حين تهمس لي وتدلني على مكمن الحزن الذي يتملكني ، والذي ألِفْتُه حتى العشق فانزويت أتسلى بشمسه التي لاتغيب عني ، ولا عن زغب النّدى الحالم بظل عشبة عند ضفاف دجلة، ولا عن بلادي التي عاثت بها ظلال الحروب والدّخان ، وظلال الخوف في أسرة الجرحى وردهات ولادة الموت المجاني ، حتى لم يعد يتبقى للحب في بلادي إلا ظلال وردة نجت باعجوبة من حريق دمعة ذرفتها عاشقة أودعت قلبها في مقبرة تتسع لكل أحلام العرب ...
ليس بدافع الشّعر ماأكتب عن هذه الرّواية ( الحب والظّلال) ،ولا بدافع الرّجم بظهر الغيب والنبوءات أنا أحاول التّغني بحكاية الحب التي تفجّرت بين (إيرين وفرانشيسكو ليال) ،ولا مواساة (غوستافو مورانتي )على سوء طالعه حين فقد مودعا حب حياته الوحيد قبل أن تتم تصفية وجوده من تحت هذه السّماء ، ولكن بدافع أنّ مراثيّ الفرات قد تمثّلت ْ أمام عيوني ، وفي المذاق المر الذي اكتسح مني كل حواسي وأنا أتنقل في سفر الرّواية التي نبأتني أنّه لامنجاة للشعوب من القهر إلا إذا استفاقت قبل فقدانها لأحلامها كما استفاق غوستافو مورانتي " واقتنع أنّ الدّكتاتورية ليست بالمرحلة المؤقتةعلى طريق التّطوروإنّما هي المرحلة الأخيرة في طريق الظلم "، ونبأتني خشيتها من ذلك الحجر الذي تستند عليه أوهام المتفاءلين – مثلي- تحت سماء وطن ملبد بظلال الضّغينة حين يقرؤون عبارة :" لاشيء يستنزف الصّلابة مثل إحساس المرء بأنّه عابر "
لقد كنا اسرى هذا الإحساس – عابر – ومازلنا
وشتلنا على نافذة الغد كل أحلامنا رغم امتلاء أيّامنا تحت ظلال الدّكتاتورية العربية بالشّوك ، والدّماء ، وطوفان من الذّعريطارد أوراق مستمسكاتنا التي نستدعيها سراعا في كل لحظة من لحظاتت الفرار الجماعي نحو المنافي ؛ حتى قد بتُّ اخشى أن لايبقى على أرض هذه البلاد إلا ظلال حكايات وذكريات ...تتناقلها الأجيال كالأساطير ...
فشكرا لإيزابيل ألليندي هذه الرّواية حين كتبتها
وشكرا للرّوائي خليف محفوظ حين دلني عليها






الأحد، 9 سبتمبر 2012

أحزان ٌسومرية



أحزان ٌسومرية
1
وحيدة إلا من ذكرياتِ شوقٍ ومطر
ألتمس في السكون حدود وطن أبهى من الحنان
يداهمني نحيب ُ إنانا
يهزُّ لوحا ً سومريا ًبين يدي
تنبجس منه آهة ٌ إنسلخت عن ألفها السادس :
" ذهبوا بزوجي الحبيب ، زوجي الحبيب
قُتِلَ في أوروك ، في كُلا ّبْ
ذهبوا بابني الحبيب ، ابني الحبيب
ذهبوا بزوجي الحبيب ، زوجي الحبيب "


2
تصمت ُ دجلة معي إلا من أنفاس ِالموج
تمد ّ لي يدا ً
لأسبح حتى ( إيگور)
فتوميء ( انخدوانا ) لي من بعيد :
أن حاذري ( لعنة أكد ) إن عصيتِ (إنليل )
وزاحمت ِ طاعته بعيني تموز

3
تجيئني إنانا
ألمح ُ في عينيها إنكسار أنثى :
1- هو مضى ...سأخلعُ ثوبَ العشق ِ حتى يؤوب
2- وعدت ُ (أوتوحيگال) بنصر ٍ
3- ووعدت ُ ( أيبخ ) بالدمار



4
ينبت العذاب ، يستطيل
يتغضن جرحا في الروح
فتموز كان لي صيفا
سماءً ، تظل تاريخ العراق
زخرفتني يداه
ساكنني صوته
عبثت عيناه بتفاصيل أمنية يسكنها الجنون
لو تمتزج منا الدماء
وعلى مذبح عشق العراق ...
تراق
***********


•(ذهبوا بزوجي الحبيب.).. من بكائيات إنانا على تموز حين يقبض عليه شياطين العالم السفلي
** ايكور : هو المعبد الذي كان يتعبد به السومريون انليل
*** انخدوانا : ابنة سرجون الاكدي وكانت اول شاعرة تطبع قصائدها على الرقم الطينية لها قصيدة ( لعنة اكد ) تصور فيها ان البلاد تم غزوها من العيلاميين الكوتيين كعقاب من انليل لنارام سين الذي ادعى الالوهية وامر بتحطيم ايكور
**** تموز حبيب انانا وزوجها
اوتوحيكال اول من قاد ثورة مسلحة ضد الغزو الكوتي لبلاد الرافدين
ايبخ ( جبل حمرين حاليا الذي تسلل منه الكوتيين لغزو بلاد سومر واكد فوقفت اينانا كمحاربة مع الجيوش لتحرير البلاد واذلال العدو والجبل ... اي انها هنا خلعت ثوب العشق وارتدت بزة الحرب ... فتموز قد مضى الى العالم السفلي

إلى مسافر

إلى مسافر


حتامَ يأخذكَ المساء إلى المساء
ودمي يسربله انتظارك في الخفاء
ويظلُّ يمضغني السّؤال
ذاتُ السّؤال..متى تعود ؟
ذا ألف فجرٍ عاد من أحزانه
وحصان فجرك لم يعد
مازال يوميء من بعيد
ولا جديد
وأظل انتظر الصباح إلى الصّباح
ولا تعود...
عادت إلى أعشاشها كل الطّيور
وهفت إلى أحضانها الأطفال
الكل عاد إلى وطن
إلا أنا ..مازال حضني باردا
يلتف بالذكرى كفن ...
فمتى تعود ؟
هرمت نهاراتي
وسال العمر يركض للزوال
وأنا انتظارك ما أزال
مازلت أقتسم الرغيف
وأحطّ ملعقتين فوق المائدة
وأظل أمعن في الجدار
أتذكر الضحكات
والقبل النّدية في النّهار
وأعود أصرخ في السّراب
بلا جواب
لم كلما آنست ُ بابا
سُدّ في وجهي باب
آه فقد ولى الشباب
وأطل من غدك الخريف
ولا يزال الصمت منسيا
ينام على الرّصيف ... متى تعود


.
.
ذبلت عناقيد الصّبا
وتهدل الجسد الجميل
وتهامس َ الواشون
عن طول انتظاري في الطريق
وحدي أعود بلا رفيق
وحدي تهدهدني الظنون
ويقلقني الجنون
وصمتُّ احتسب الغد الموعود
في كل الوعود
متى تعود

الأربعاء، 18 يوليو 2012

أغنية للغياب

مازلت تجرحُ صمتي َ  المقتـولا
وتزيد في وجع الغـرام  عويـلا
وتهيلُ بالحرمان ِ فوق َ  رسائلي
عطشا ، تزيد به السّطور ذبـولا
وتشدُّ في وتر العناد ،  فيرتخـي
جفناي إذ أمسى هـواك  عليـلا
فكأننـي الحُلُـم الـذي  مزقتـه
أسفا ، تمر ُّ على الدروب  مَلولا
وكأن خطـوك َ إذ بـدا متثاقـلا
سفن ٌ تدق ُّ إلى الرّحيل  طبـولا
تطأ النّدى وألوذ ُ بي من  زفرتي
مزَقَاً أُذَرُّ على التّـراب ،مهيـلا
أجد الصّباح على نواك  معانـدا
والليل - إلا في مـداك - ثقيـلا
فإلامَ تأسرني الهواجس أيُّهـا ال
مرسوم في لون المساء  رحيـلا
وإلام َيمضغني انتظارك في الخفا
وخيول حزنيَ لاتكـفَّ صهيـلا
ألأنّك الموشوم فـي قلبـي  أنـا
أبكيتَ وردي في الغروب  طويلا
ستظل يا من لست أسلـو  حبـه
قمرا ينام على العيـون  كسـولا
وتظلُّ في طيّات ثوبـي  لمسـةً
دقّت على باب السّمـاءِ رسـولا
وسترتمي بيني وبيـن  دفاتـري
زمن الغيـاب حكايـة وفصـولا
يا غصة ً أبت الرّقاد  وسافـرت
في لوح عمري ، ما أردت ُ بديلا

الثلاثاء، 10 يوليو 2012

عشرون صيفا لغيمة

عشرون صيفا لغيمة


سأحلُم ُأنَّ الغيومَ وطن
تسابقني نجمة ٌ ؛
تباعد ُ بيني وبين دروبي إليكْ
وتقطفُ جمرَ انتظاري يديك ْ
وأحلمُ أن البريد َ
بليل المنافي
صلاة سنابل ْ
فتهمس لي نسمة ٌ ؛
تتوقُ لتاج النّخيل ْ
وصَمْتِ الفراتِ الجليل ْ،
لبوحٍ تغنّى
بورد تمنّى لقاء ً
لقلب ٍ معنّى
وأحلم أن المرايا شظايا اليقين ْ
فتجرحني غيمة ٌ
تخافُ رحيلَ المسافر ْ
بلا ذكريات ٍ
لحبٍّ حزين ْ
بدون دفاتر ْ
(نساها ) على
زجاج قطار - الغرام السريع –
ينبئني
بأنّ :
- فصولا من الجمر تدخلُ هذا المساء من النّافذة ْ
- قليلا من الغيمِ ينمو
على ريش طير ٍ أضاع َالدّروب ْ
إلى فيء دجلة ْ
فكيف يؤوبْ ؟
وكيف تؤوبُ إلي ّ البلاد التي ؛
سينبع من حزنها
حريقُ المياه ِوعشرونَ صيفاً لغيمهْ
وينبتُ ماءٌ على جرحِها
وسبعُ سنابلَ خضر ٍ
وبسمهْ




في " بريد " محمود درويش



في " بريد " محمود درويش
كنت فيمن يظنُّ ؛ أن جراحنا وحدها تحترف البكاء ،وأن البريد ليس إلا جواز سفر إلى عالمٍ جديد ، عالم ٌ بلا نصر ولا هزيمة ولا مساحيق نجمل بها ليل الشّتّاء العقيم المطر ..
كنت فيمن يظنّ أن مفردة "ليلة" لا تجمعها مع العبارات رابطة اللهم إلا مع عبارة " سقوط غرناطة " لكن ، في هذه الذّكرى ما يستحق الرّثاء ،وفي هذه الأوراق المخبأة في بريد درويش ما يستحق القلق...
في هذه الأوراق سأمازج مفردة "ليلة "مع عبارة " رحيل درويش، و سأكتب قريبا:
أنّ هناك ليلة مضت ؛ حملت في سلّة ذكرياتها ثلاث سنين من اغتراب سرب الفراشات ، وثلاث سنين من جفاف زهور اللوز ؛ بعد مساء ذبول محمود درويش .
من هذه الأوراق ، فرّ ذلك السّرب . حطَّ على عيون النّهار، ولملم لون الذّبول عن جبين القمر حين تشّظى حالما ببريد ذاك الذي رحل وماترك عناوينَ له ، وإن كانت عناوينه قابلة للضّياع :
لقد كان يعلمُ أنّه سيذهب :
" أذهبُ .. أترك خلفي عناوين قابلة للضّياع ".
ويعلم أنّ الرّسائل قد لا تهرب بعيدا عن حرائق المهجر والمنافي ، فكان وجهه يطلُّ ؛ يصبغُ الغيومَ بوابل الأسئلة :

" أمّاه .ياأمّاه
لمن كتبتُ هذه الأوراق ؟
أيّ بريد ذاهب يحملها
سدّت طريق البر والبحار والآفاق "

نعم سدّت كل الطّرق بوجه عودة الرّبيع ؛ فوراء مساء رحيله خريف
ووراء هذا الشعر؛ حريق الغياب في محطات الرّاحلين ،
وله في صورة ريتا مآرب أخرى لحزن ٍ لم يكتمل ، ولم تمتليء بعد سنابله بدمع البلاد ؛ لكنه ملأ قصائده برسائل تمتد مسافة ثلاثين عاما في البريد :
"وراء الخريف البعيد
ثلاثون عاما
وصورة ريتا
وسنبلة أكملت عمرها في البريد "

فأي تاريخٍ هذا الذي أكمل أوراقه في البريد ، وأي حبّ هذا الذي عاش بين زوايا صناديق البريد وأي بلاد تلك التي عجزت أن تمنحه وردة يلتقي تحت ظلّها بمن يحب :
"يا أيها البلد البعيد
هل ضاع حبي في البريد
لاقبلة المطاط تأتينا
ولا صدأ الحديد
كلّ البلاد بلادنا ونصيبنا منها بريد "

إنّه الكنعاني الموزع بين هجرتين ، هجرة له وهجرة عليه ، هجرة صار بها رسولا ، وأخرى ماعاد له فيها غير منابر الشّهداء ومفاتيح ضاعت منها دروب السّماء وما يعرج فيها من رسائل وأناشيد وأغانٍ للبحر والرّمل ..:

"يا أيّها الولد الموزع بين نافذتين
لا تتبادلان رسائلي
قاوم ..
أنت التّشابه للرّمال .. وأنت للأزرق "

إنّه العاشق الموزع بين نجمتين ، الرّاقد في دمعة ريتا ، وفي حلم البنفسج الحزين ، إنّه المسافر منذ ستين عاصفة بلا سبب بين الرّياح وبين أكوام التّذاكر وبين أمنيات الشّمس لو تغفو لحظة عند التقاء فجرين :
"وريتا تنام وتوقظ أحلامها
- نتزوج؟
نعم
- متى
حين ينمو البنفسج
على قبعات الجنود
طويتُ الأزقة ، مبنى البريد ، مقاهي الرّصيف ، نوادي الغناء ، وأكشاك بيع التّذاكر
أحبك ريتا ، أحبك ، نامي وأرحل "

ونامت ريتا ، ورحل ، ومازال يطل في المكاتيب المهربة من ثنايا البرتقال إلى مرافئ المطر البعيد في شتاء الأغنية ..الوحيدة

كوكب


الأربعاء، 4 يوليو 2012

ناءٍ عَنِ الدّارِ

ناءٍ عَنِ الدّارِللنّهارِ الذي لاتكون به شَمْسُكَ أفـُقـي الملوّنَ بالشّعرِ؛ وماأطولهُ هذا النّهار..!

غافٍ على حَجَرٍ فـي هـدأةِ الأرقِ
سِيانِ أنْ ذّبُلّتْ عينايَ فـي الغَسَـقِ
أو بلّلَ المطرُ الأحلامَ فـي رَحِلـي
عندَ التماعِ النّدى جرحاً على حَدَقي
كلّ الدّروبِ لهـا أنشـودةٌ  وسنـا
إلا دروبي بـدتْ ملتاعـةَ الشّفَـقِ
فكم أويتُ إلـى صمتـي أسامـرُهُ
وكم سَكَبْتُ على ظلي من  الحَنَـقِ
ناءٍ عـن الـدّارِ سلطانـا أعاتبـه
بجمرِ دمـعٍ علـى الأيـامِ ِمندلـقِ
فكيفَ بي لو مضتْ ريحُ النّوى قُدُما
تقتاتني وأنـا أقتـاتُ مـن رَمَقـي
أأصمتُ الدّهرَ والأمطارُ  تشرَبُنـي
ويُنْبُتُ العشبُ أحزاني على  طبقي؟
ففـي عيونـي عصافيـرٌ  مكبلـةٌ
وفي خطاكَ مواعيدٌ مـن  الـورقِ
وذي أنا في رحابِ الفجرِ سنبلـة  ٌ
تمايسُ الرّيحَ والأنـوارُ لـم  تفِـقِ
مرّ النّهارُ وعيناك اخضرارُ  نـدى
أو جدب قلب إلى لقيـاكَ محتـرقِ
تضَرّجَتْ بانتظاري ألـف مَحرَقـةٍ
من الغيابِ الذي يغفو على طُرُقـي
منَ الرّحيلِ الذي قد عاثَ في سُحُبٍ
يأوي لها مدمعي المبتـلّ بـالأرق ِ
ياشاعر َ الوجدِ كـم ليـلٍ  أعانِـدُهُ
تاقتْ إليـك أزاهيـري ولـم تَتُـقِ
أدمنتُ صوتَـكَ يدنينـي ويبعدنـي
وكبّلتْ مُدُنـي فـي كفِّـكَ العبِـقِ
آمنتُ أنّ نِبـالَ الشّـوق ِ تذبحنـي
فجيء بالصّبر معقودا علـى أفقـي

الثلاثاء، 3 يوليو 2012

حكاية من بدايات الذّبول


حكاية من بدايات الذّبول (1) مدخل إلى الجمر: منذ أيام وأنا أجالس ُ أوراقي صامتة ً ؛ أفتّشُ عن مدخل ٍ أبدأ به هذه الحكاية ، فكيف أبدؤها وأنا أعلمُ أنّ بعض البدايات تبزغ مع فجر حكاية حب ٍ عاصف ؛ حكاية ٌ تطيح ُ بكل ما صنعتَ لعالمك من تفاصيل وأرقام وذكريات ، وتنسف كل ما مررتَ به ، وأحببتَ في دروب المطر والبرد والرّعد والظّل والعتمة والضوء ...
وأعلمُ أنّ بعض البدايات تكون مع نهاية السّطر الأخير لفجيعة حب ٍّ سكن قلبك ، وأخذت مواعيده ما أخذت من سماء أمسياتك الملونة بالجمر وصباحاتك المتثائبة المرايا ، لشدة ما شاركتك مراياها الأرق ...!!
لكن ماذا عن بداية كانت مع انسكاب ِ أوّل دمعة ٍ للنّخيل ، ومع رحيل ٍ لأسماء شوارع َ ألَفتَها وعناوينَ بريد لم تعد تتلقى منها غير رسائل النّسيان ؟
ربما أنّ هذه البداية التي سأفتح ُ بها أوراقي اليوم تختلف عن كل البدايات ؛ لأنّها مصبوغة المقدمة ،والفصول ، والخاتمة بطوفان ليلة من ليالي اغتيال بغداد التي عاشت مخاضات الصّمت تلو الموت ، والتي رأيتُ النّيران تأكل جدران متحف السّماء فيها حتى تهاوت وما حفظت لذاكرة دجلة و الفرات إلا شيئا من الأزرق المغبر والمزيد ...المزيد من الأزرق "المُرْمَدْ" ( إن جاز لي صياغة هذه الصّفة من الرّماد ...!) .
غريب ٌ أن أبدأ الكتابة قبل انحسار ِ الغبار! وقبل انقشاع ضباب الزّمن العراقي المتكاثف لحظة إثر يوم .. ؛ فكيف سأرى وجوه أبطالي خلال هذا الغبار والضّباب ؟ ! وكيف سأحدد ملامحهم على الورق ؟ أو مسار خطواتهم بين السّطور؟
يخيل لي بأنّي سألغي كلَّ أبطال الحكاية التي يعيشها الوطن وسأكتفي بسرد كل ما باحت به لي نجمةٌ تهاوت على قلمي في ليلة من ليالي اغتيال بغداد



(2)في ليلة :-حدثتني النّجمة :
اسمها ( مدينة على مشارف المطر ..) ؛ وليلتها كانت ليلة الجمر المنتظر
سألتُها :
- الاسم من وحي ألقكِ ؟
أجابتني :
- لا، هذا هو اسمها ؛ فقد اختزنتْ ذاكرتي كل غيمة أمطرتها ..وقبّلتها . تماما كما اختزنتُ حكاية كل رصاصة تلقتها في صدرها أو ظهرها ، وفي رأسها وعينيها وشفتيها ...وحتى في ظفائرها الموغلة في الحب ..!
صمتت النّجمة قليلا،شاركتها صمتها فقد كانت كأنّها تحاول أن تستجمع شظايا ذاكرتها الموزعة بين حقب الغزاة تلو الغزاة ...ثم أكملت : كانت تنتظر المطر دوما ،لكن حكاياتها لاتنتهي مع الحرائق والحروب ، ولاحكايات عشّاقها بعيدة عن لون ذبول المساء


(3)في ليلة موصولة بالأولى :فرّت النّجمة من يدي هارعةً إلى سمائها ، وخبا تلألؤها ساعة ، ومالبثت أن عادت إليّ وفي عينيها حكاية تخالج ُ بريقها الحزين ..
سألتها :
- إذن لم تراقبي جسد المدينة وحده ؛ وإنما راقبتِ روحها السّاكنة في عون عشّاقها أيضا ؟!
أجابتني :
- وماطاقتي لولا ومضات عيون عشّاقها ؟ أما تجديني متلبسة ٌ بالخفوت بين سطورك ِ وأخطو بهدوء تحت رحمة قلمك ؟ لكن ، آه .. إسمعيني هنا :-
عشية ليلة من ليالي الحريق بساعات قليلة ، لمحت ُ عاشقين يغمرهما القلق ، كان يعبث بشعرها ويقبل يديها ، ويقول لها مطمئِنا :
" حبّك ِ عريشة لبلاب تتسلق قلبي في كل دقة له .. وستقاوم عريشتنا هذه حرائق الحرب ، وستُنْبِتُ ملجئا لنا ، ولأشواقنا.. حتى لأمطارنا المؤجلة "
كانت تلمس شفتيه باناملها وتحدثه بأهدابها :
- " قريبا ، بالأمس ..لما اشتقتُ إليك وتحت ظل ٌّ وارف للقمر نبتت نجمة في عيوني ...أرِقَتْ معي ، وسامرتني ، حدثتها كثيرا عنك ، أخبرتها بأنّي لا أخشى الليل ولا الحرب ولا كل أساطيل الغزاة ، مادام حبيبي قمرا وجبينه نهار أحرار، نبأتها بأنّك أنت وكل الأحرار سيفكّوا أسر الشّمس لو صفّد غزوٌ ضوءها ...فقد لمحتك دوما بين ثنايا الحروب سطورا من غضب ، تمزج الشّوكَ بكفيّكَ وتخيطهُ لي رداءً وردءً يقيني من طائشات الرّصاص " ..!
سكنتني الدّهشة شوقا لتفاصيل حروف تلك النّجمة ،وألمح في ألقها خيال العاشقين ، وتلمح في عيوني أسئلتي فأكملتْ :
- في تلك الليلة ، حجبت غيمة مرأى العاشقين عن ناظري للحظات ، كانت تلك الغيمة مسرعة ؛ كأنّها تحاول الهرب إلى سماءٍ بلاد ٍبعيدة لا تلمح تحتها ملامح الخوف والقلق في وجوه الأبرياء، وربما كي لا تكون شاهدة على معارك الطّغاة وجنرالات الحروب مع الغزاة . وربما كانت تحاول أن تلوذ بسماء بلاد ٍ قريبة كي لا تبتعد كثيرا عن لثغات أطفال رقصوا ابتهاجا بنشوة المطر في زخّاته الأولى أيام تشرين ..!
سألتها مبتسما :
- تتحدثين كثيرا عن المطر ؟
- لإنه يغسل الّدماء والدّموع ... ومدينة مثلها تحتاج لأطنان من المطر
لذت بالصّمت حين أردفت :
عند انحسار تلك الغيمة عن مرأى العاشقين لمحتهما قد عبرا شارعا وركبا سيارة ، لم أعلم وجهتما ؛ لكني سمعتهما يتحدثان عن (ٍ رغم الحرب) ، و(نخلة )، و ( على موعدنا ووعدنا) .
صمتت النّجمة طويلا لا أدري لمَ لمْ أسألَها أن تُكمِل ْ ، شعرتُ إنَّ لصمتها جلالاً رهيبا ، خشِعْت منه .. تصدّع له شيء ٌ ما في قلبي ، كأن صمتها نبّّأني عمّا ستؤول إليه الحكاية ، هممت أن أتوسلها أن تتم لي حكاية العاشِقَيْن ، أن تخبرني بأنّي أخطأت في إحساسي ، لكنها هزّت قلمي إليها :
"أتعلمين أنّه في ذلك النّهار رأيتهما بعد طول غيابهما عن آفاق حبهما لسنوات؟ وأن بغداد كانت في ذلك اليوم تحتفي بحبهما ؟ فقصة الحب بينهما طويلة ، دامية كليالي الحروب ؛ أذكر كيف جمعتهما دجلة على الحب وكيف فرّقتهما القبيلة ، وكيف أصرّ والدها على زواجها من ابن خالها ، مازلت أذكر مكاتيبهما في المساء ، وأذكر الدّموع بليلة الزّفاف التي كانت كالقصاص من الحب المحاصر ..
في ذلك المساء رايتهما بعد شهر على التمام شملهما من جديد ؛ فقد نُبِئْتُ أن ابن خالها قد مات ، ومرّت السّنون حين التقاها مجددا.. وحيدة
ابتسمت ُ وقلتُ للنّجمة :
وحيدة ؟ وله من جديد ؟ إذن هاقد تدارك الحب محبيه أخيرا وكان النّصيب . فما خطب بريقك ِ الشّاحب مادامت حكايتهما قد انتهت على حب ؟
باغتتني قائلة :
- لا.. هنا بدأت حكاية الذّبول
- ...
- اكتبي
- ماذا أكتب؟
- أنّهما في ذلك المساء كانا يطوفان كنجمتين في سماء بغداد ، وقررا بشيء من الفرح أن يتسوقا لحفلة مرور شهر على زواجهما ..
تحرك قلمي ، لكني ترددت طالبته بالسّكينة وكأني كنت أريد أن أمنحهما لحظات أخرى بين سطوري، أن يتمّا تلك الحفلة في خيالي الرّاكض نحو النّور في عتمة الضّغينة .
لكن النّجمة واصلت :
- أكتبي أنّه عند اقتراب الظّلام وموعد وتزايد جيوش القلق في حدقات بغداد لم يشأ أن تكون الحفلة بلا بهجة الأصدقاء والأخوة ، فعمد إلى طريق آخر كي يركن السّيارة قرب المنفذ الوحيد للحي الذي يسكنه أخوه والمطل من بين سلسلة الحواجز الكونكريتية . ركنها هناك وترجل قائلا لها : " دقائق وأعود بأخي معنا " ومادرى أنّ في كل خطوة كان يخطوها صوب بيت أخيه كانت ترافقها ألف خطوة مسرعة للموت المخبأ عند ذلك المدخل ، كل خطوة صوب أخيه ليشاركهما فرحة الحب كانت ترافقها ألف خطوة للشّر كي يقول كلمته أن لامواسم للياسمين بعد هذا اليوم ولابهجة يرفّ لها قلب بغداد ولادفء يغمر شوارعها ولافرح مقيم في قلب أحزانها ؛ فعندما طرق باب أخيه ودخل مسلّما ومعانقا له ، سمعا دوي أنفجار عنيف عند ذلك المنفذ وغابت عن أفقه إلى الأب
د .

الاثنين، 11 يونيو 2012

الهزيمة والحياة في رواية طيرانٌ إلى آراس

الهزيمة والحياة في رواية طيرانٌ إلى آراس
انطوان دي سانت كوبري
ترجمة أحمد الباقري


منذ شهور ورواية ( طيران إلى آراس ) مركونة في رفّ الكتب المرشحة للقراءة ، ماأن تلامسها أناملي حتى أعيدها إلى مكانها حين يناديني كتابٌ آخر طالبا مني أن أقرأه بعيني الشّغوفتين بمرأى الورق وملتمسا لو عانقتْه كفّاي اللذان يتقنان حمل الكتاب بكل ماأوتيا من رقة البشر ؛ حتّى خجلت ُ من الرّواية وقررتُ قراءتها ...
ربما كانت صورة الطّائرة في الغلاف والتي تشير إلى الحرب العالمية الثّانية هي التي تدفعني للتّهرب من قراءتها ؛ فلنا من الحروب مايكفي لنكتب سبع روايات في كل عام.. في كل رواية ستة آلاف عام من النّحيب ...!
وربما مادفعني لتأجيل قراءتها لظنّي أنّ حياة الطّيّارين لاتنتمي لعالمنا الأرضي ولايمكن لطيّار أن يغور في أعماق البشر والشّجر والبذر والجذر . ومامن فلسفة يملكها ولا رؤية يحدثنا بها غير الانتصار أو الهزيمة ، حتى فاجأني الطّيار المحارب والرّوائي الفرنسي ( أكسوبري)؛ بأنّه ألمّ بفلسفة خاصة للجمال والحب والحياة والهزيمة ، وألمّ بفنٍ نثري بدا كقصائد نثرٍ يبعثرها رماد الحروب والهزيمة ويلمّهاالإستسلام لأكوان جديدة من الحب يرسمها هوعلى مدى مسافات شاسعة من أجنحة الرّياح ؛ فيصف إحساس الرّسام في لحظة خلق عالمه ، فيقول: ( في تلك اللحظة يصبح قماش لوحته بالنّسبه له شيئا ما أوسع من البحار).
ويغور في مكامن الجمال ؛ رغم رؤيته له من علوٍ شاهق المسافة فيقول : " المسافة تـُمنَحُ للإنسان بواسطة بيت الطّفولة ، بواسطة حقل رؤية مجهر باستر. مسافةٌ تفتح بواسطة قصيدة ماهي سوى هدايا هشّة وسحرية تلك التي تكون المدينة قادرة على توزيعها ؛ لأنّ المسافة هي أملاك الرّوح وليست أملاك العين ، وليست ثمة مسافات بدون لغة "

وأظنني كنتُ بحاجة لمن يصف لي حالة الهزيمة ، لمن يخبرني بأدق ماتخبيء زواياها المظلمة في الرّوح ، وماتتراكم من أوحالها في إناء الأمل المركون على قارعة الارتداد لوراء الوراء ؛ فكل ماقاله عن الهزيمة كنا قد فعلناه ، فليتنا قرأنا أكسوبري قبل هزيمتنا ..." لقد انهار الرّبيع ، الفصل غير صالح للإستعمال"

" الهزيمة تقسّم الرّجال ، الهزيمة تفكّ الرّباط القائم ، في فكّ الرّباط القائم ثمة خطر الموت "
" الهزيمة حالة تعب ، حالة تفكك ، وحالة ضجر ، وفوق كل شيء حالة عبث "
" الجيش الذي سقط مدحورا لم يعد جيشا ، لاأعني أنّ الرّجال في التّقهقهر يصبحون لاقيمة لهم ،لكن حقيقة السّقوط والاندحار تدمر كل الرّوابط المادية والرّوحية التي كانوا فيها متوحدين " وهذا ماحدث في العراق
ويصف سطوة الحرب على القلب :
القلب ُ شيءٌ هش ، عليه أن يستمر بالعمل زمنا طويلا ً، من الحماقة أن نعرضه للخطر بمثل هذا العمل القاسي ؛ كما لو أنّ إنسانا أحرق ماساتٍ من أجل شيّ البطاطا "

ورغم أن الهزيمة لايمكنها أن تظهر حبا مثلما قال أكسوبري لكنه يعود في سطورٍ أخرى منتقيا للأمل عبارات تتداركه بالأمان فيقول تارة :


ليس ثمة منقذ مثل ذلك الخبز الذي يتقاسمه الرّجال

وتارة :
"وجدت متعة بالإحساس بالأمن الذي ولد من حلم النّهار
وأخيرا
الحياة أعظم من اي عاصفة كلمات ، ليس الحب تفكيرا بل وجود...

هذا ماعلق في ذهني من هذه الرّواية البديعة

كوكب

السبت، 5 مايو 2012

كان حلما

كان حلماً
"قصة كتبتها في بواكير الكتابة ومازلت أحبها "
لاشيء سوى لأنك أحمق ..أفهمت؟ لمَ لا تلزم الصمت وتدعني املأ ما احتاجه من المياه ? قالت هذه العبارة وعيناها تنطق عن بحرٍ هائج متمرد ؛ فماكان منه الا الأبتسام بسكون ، فعادت للصراخ في وجهه :

وتبتسم بعد إهانتي لك ونعتي إياك بالأحمق !انك تثيرني ....لاأحتملك , لا أحتمل .
 حرٌ وماءٌ مفقود وكهرباءٌ مثيرة للأعصاب ...ثم من أنت ؟ وماشأني في ان صبرتَ على حر الظهيرة ام لم تصبر ؟ نعم إنك تصبر عليها لأنك أحمق..أحمق وبلا إحساس .
وفي هذه اللحظة فقط غطت ملامحه سحابة حزينة محت آثار ابتسامة هادئة فأجاب :
-
أصغي إلي يافتاة ...كل شيء يصدر منك ؛ أرضى به إلا نعتي بتجردي من الأحاسيس ...
فلاذت بالصّمت واحساس مفرط بالذنب لتجريحا إيّاه ، لكنها قدمت له عذرا:

- لو كنتَ تعلم معاناتي لعذرتني
-
أي معاناة لاتعطيك حقا ان تتهميني بالتّجرد من الأحساس ..عن اذنك
ومضى،  طوته البيوت المتجاورة القريبة من النهر في مدينة " نهر خوز " عن ناظريها

-( إلى الجحيم ) همست بهذه العبارة غاضبة ثم مالبث ان انبت ذاتها: " لا له الحق في الغضب مني ، لكن آه فلآخذ حاجتي من الماء وغابت صورته عن ذهنها وفكرة الرّحيل الى مدينة أخرى هربا من الحرّ الشّديد وشحة المياه ،والاهم من ذلك التهديدات الامريكية المتواصلة ثم أن القصف الصاروخي الأخير ملأ قلبها هلعا على أخيها الصغير فهو آخر من بقي لها ترعاه منذ طفولتها مع جدتها .. ولكن الأخيرة ترفض هذه الفكرة

تنبهت الى امتلاء القنينة وحملتها باعياء فقد تمكنت شمس الظهيرة منها .. تلفتت عسى من يساعدها لكن لاأحد فالوقت ظهيرا ، وهي الوحيدة التي تملأ وقت الظهر لانشغالها بأعمال المنزل صباحا ، تحرك شعورٌ غريبٌ بداخلها و تلفتت من جديد واحساس بخيبة الأمل ثم لامت نفسها ..."لمَ هذا الشعور بالفراغ لأني لم أره مثل كل يوم منذ شهر ، ليته يكون في المكان ذاته الذي اعتاد عليه كل يوم ، يراقب بصمت وسكون ...ياه كم انت بلهاء يانغم ماهذه الافكار الجنونية انك حمقاء لو فكرت بذلك ؛إحذري ، احذري من المشاعر ، الم تري صديقاتك اللائي احببن ؟ "واستمرت في مجادلة ذاتها حتى وصلت البيت واضعة قنينة الماء جانبا لترتمي على أقرب أريكة   حيث عادت صورة ذلك الشاب الى ذهنها وحادثة ظهر اليوم عند محاولته المساعدة ... لقد رفضتْ المساعدة بعنف ، فماكان منه الا الاستفهام عن سبب لهجتها القاسية معه ، فكان جوابها ...." ياالهي" واخفت رأسها بين يديها كأنها تحاول الهرب من هذه الذكرى ... نعم ، لقد قالت له :

-
أخبرني لماذا انت هنا ...كل يوم ؟!!!ومايشرح قلبها غبطة هو رده الغريب المحمل بأكثر من معنى حين اجاب : " ا تعلمين لماذا انا هنا ؟ ولمَ أصبر على حر الظهيرة ؟..."

أحسّت بقلبها يغوص ويتبعثر في أعماقها وحركة غريبة تدب في روحها ثم " آه لماذا أهنته ؟ ولماذا أشتقت اليه ؟ حسنا سأعتذر منه ...نعم ...نعم حتى لو لم يكلمني هو .. سأناديه سأذهب اليه وأعتذر ...كلا كلا عندما سياتي هو يعرض المساعدة سأعتذر ...ثم لم لم اقبل مساعدته ياآلهي ماذا جرى لي ؟ ومالذي حصل أيكون حبا ؟ وان احببته فلم اهنته اليوم ؟ "  وتواصل الحديث مع ذاتها وصورت لقاءاتها معه مرة تجادله بعنف ومرة برقة حتى استيقظت على صوت منبه الساعة يعلن شروق يوم جديد ...تمنت لو تنام ثانية ليعود الحلم او تستمر فيه لكن هيهات ...فما كان ليس سوى حلما



1996
آب /

السبت، 14 أبريل 2012

أنا ...وآنا أخماتوفا

أنا ...وآنا أخماتوفا
الزمان : زمان حصار
المكان : بلاد محاصرة بالخوف والجوع ونقص في الأموال والثّمرات ... والمعرفة
نعم كان الوقتُ حصارا والشّمسُ سادرةٌ في غيابها عن سماء تلك البلاد ، وكان الكتابُ حلما ًجميلاً وملمس الورق الجديد وعطره ضربا من المستحيل ، وما من حيلة أمام عاشق القراءة إلا المكتبات العامة وربما قليل من المكتبات الخاصة التي يستأذن أصحابها في استعارة كتاب أو ديوان شعري رغم مضي عقد من الزّمان على أحدث كتاب تضمه رفوف تلك المكتبات ...
كنت من الذين شاء لهم الهوى أن يحتل الكتاب حيزا ليس بالهين في قلوبهم ، وأن تلعب القصيدة والرواية دورا عظيما في بناء روحهم وذائقتهم المعذبة حين تحلم بمكتبة بسيطة لكنها ملأى بما لذ وطاب من الكتب التي رحت أستعيرها من هنا وهناك ، أنقل منها مقاطع كثيرة وعبارات شجية وأنسخ بقلمي دواوين كاملة ...!!وبعضها لم يسعفني الوقت بنسخها فنقلت منها ما وقع في نفسي أجمل موقع ( رغم أني بقيت أشعر بالنّدم لسنوات لأنني لم أنسخها كاملة ..!)
وفي أيام النّسخ تلك ومن بين رزمة كتب استعرتها من مكتبة والد صديقتي أطلت علّي بشاعريتها الفذة وأنوثتها العذبة شاعرة روسية شعرت بها تشبهني في فصول متقدمة من حياتها وأحسست أن هناك تقاربا بين ما كنت " أخربشه " وبين ما نشرته هي قبل سبعة عقود من الزمان ..
كان اسمها آنا اخماتوفا ..التي حين قرأت لها شعرت وقتها أن ما أكتبه يمكن لي أن أسميه شعرا



فكانت هذه أعذب المقاطع التي دونتها :
ضعيف ٌ هو صوتي لكن لي إرادة لاتلين
بل ، صرتُ أكثر ارتياحا بلا حب
عالية هي السّماء ، والرّيح تهبّ من الجبال
وخواطري نقية صافية


مضى أرقي الملازم إلى غيري
لن أتحسر فوق كومة رماد
والسّهم المعوج في ساحة البرج
لن يبدو قاتلا لي

شد مايفتقد الماضي سلطانه على قلبي
سأتحرر قريبا ، سأغفر كل شيء
وأنا أتتبع ُ انحدار الأشعة المتسارع
فوق اللبلاب الرّبيعي الأبيض

قلقا كان ، غيورا ورقيقا
وكان يحبني وكأنني شمس الله
وكي لا يغرد على الماضي
قتل طائري الأبيض

مع الغروب ؛ دخل الغرفة متفوها
" أحبيني اضحكي ، أكتبي شعرا "
وكنت ُ أدفن طائري السّعيد
عبر البئر الدّائرية ، عند الحورة القديمة

وعدته ألا ابكي
لكأنما قلبي أمسى حجرا في قلبي
ويخيل لي أبدا وأينما أكن
أنني أسمع تغريد طائري العذب

حاشيات ٌ للضوء



حاشيات ٌ للضوء

على حاشية الضوء

التقينا على شعر ٍ مذبوح ٍ في مدخل الصّباح

ومرَّ نهار ٌ

رَسَمَنا وطنا مباحا

اوصدَنا كدفتر ٍ قديم

وأهدانا ألف أمسية وأمسيةً من عذاب



2



على حاشية الضوء

كانت عيناك تحرساني من أجراس الغجر

تمنحاني وتعلماني

أسرار مكاتيب الغرام

وتبعثاني

أنثى بثوب ٍمن مطر



3



على حاشية الضوء

كنت منفية ًفي ظلِك َ

مكبلة ً

بصمتِك ، وبياضِ عشب ِالشّتاء

وكانت شفتاك حبرا

يستبيح بياضَ دفاتري

4

على حاشية ضوء عتبة النّهار

كان قلبي ينتظرك بين دقّات الغياب

تحت ظل ٍ لوردة

وكان صدري حقلا من ندى

يمنحك وطنا

يعلن :

بأنّي أعشق رجلا يغرس في قلبي شفتيه



5





على حواشي الضوء

يشهد المكان

ويشهد الزّمان

بأن ّ

ساعة ًمن غياب ِصوتِك

كفيلة بان تمنحَ الشّمسَ مذاقا باللون الأسود

وكفيلة بأن تفوحَ من طلع ِالنّخيل

رائحة ًللإحتلال

وشظايا وطن







6



على حاشية بعيدة ، بعيدة للضوء

كتبت :

مازلت أغار من ظلال الدروب

حين تعانق ظلَك فأذوب

الجمعة، 13 أبريل 2012

وصايا الرّيح

 أُعلِنَتْ نتائج مهرجان مصطفى جمال الدّين للشّعر العربي ، وكان نصيب هذا النّص أن يكون ثالثا ...
وصايا الرّيح

1-  وصية الرّيح للشّاعر :
خذْ منَ المطرِ زورقَ النّار ،

 وامنح الشّعرَ أجراسَ السّماء ِ حين تقرعُ في مساء الوردة

2-  وصية الرّيح ِ لفاطمة :
 فتّشي عن حبّةِ القمحِ النّابتة في  أسطورة القربان والغابة ،

وعلى صدى القرنفل ؛
إطوِ القمرَ في أبيضِكِ

3-  وصيّة الرّيح للرّصاصة :
 لا تكوني جوازَ سفرٍ لمنفى الوطن ،

ولا ليلةََ بكاءٍ حزينة لعاشِقَيْن ...

وليصلي أزيزك ِ عندَ آذانِ الفداءِ

4-  وصية الرّيح ِ للصّوتِ الأخضر :
كن هاربا بأشجارك ،

 وأعشاش عصافيرك ،

وكرات ثلجك ،

وهسهسات موقدك

 إلى قنديل صلاتك
 و لا تأوي لضفاف انكسارك

5-  وصية الرّيح للجدار :
لو شئتُ وأقمتـُك َ؛

لن أساوِمَكَ بأجر الغيمة ؛

فلاتكن سوراً يحاصرُ النّخلة

6-  وصية الرّيحِ لأحمر الشّفاه :
على ثيابكِ موعده ،

ورسائل المرايا للمرايا .

 سأهديكِ  حريّتي ،

لكن
 لا تسافري ..إلا وعشرون نجمة لعينيه

7-  وصية الرّياح للحورية :

لا ترتلي نشيدَ الرّحيلِ على مسمع الغياب ،

ماذا لو تاه في بحارِ الدّمع السّبعة ؟

8-  وصية الرّياح للرّماد :

لاتنشر القحطَ في بلاد القلب

ولا تـَلفَّ حول ذاكرتي ؛ خيوطا ؛

تخنقُ ورداً تَفـَتـَّحَ في الرّوح ِ

فقلبي  ؛

لم يشعل أشجارك ..!!

9-  وصية الرّيح لمحمود درويش

لاتعتذر عمّا كتبت

فأنت َ

مصاب ٌ بالياسمين

10 -وصية الرّيح لگلگاميش :

بين نتوءات الشّوك

لاترهقها انتظارا

فبين عينيها وقلبك

أسطورة ؛ بملمس الرّبيع