الخميس، 3 يناير 2013

هاجس في رواية الحفيدة الأمريكية
هل تتناسل الجيوش المهزومةعلى خصب هذه الأرض وبين هذين الرّافدين ؟ سؤال طرحته (الحفيدة الأمريكية ) زينة ، وظل صداه يتردد في زوايا المحبرة - المتخيلة بالطّبع - لكل شاعر ؛ فقد هزمتها التّكنولوجيا ؛ تماما كما هزمتْنا الطّائرات الأمريكية وتكنولوجيتها العسكرية مرتين خلال عقد ونصف من الزّمن ... لذا لابد أن اكتب الآن :"سؤال ظلّ صداه يتردد في زوايا اللاب توب" مادام لامفر من الاعتراف بالهزيمة (الممتدة منذ زمان هولاكو) أمام صراحة " زينة" ابنة المذيع المطارد سياسيا والتي اختصرت القول ونظريات ومصطلحات علم النّفس والاجتماع وسيكولوجية الطّفولة والمراهقة بقولها :
"لم يردني حليبي إلى بغداد
سلختني منها الكارثة وأعادتني إليها الكارثة
فمن له الحق في حسابي ؟ "
فبين واقع الوطن المحتل بمجنزرات لاقِبَلَ لنا بها ، قامت بالتّعاقب على اغتصاب شوارعنا ومدننا كحفنة من الرّعاع ، وبين واقع إنساني آخر للشّابة زينة ،لم ألمسه قبلا ولم أظن بحتمية وجوده أو بإمكانية وقوفه منكسرا أمام خطوط باللون الأحمر ، نهضت الرّوائية المبدعة أنعام كجة جي بكل جرأة تقتحم هذا الحد الفاصل وتضعني أمام حالة المترجمة زينة التي حمدت الله أنّ القدرلم يضعني في طريقها والتقيها في العراق؛ لأني حتما لم أكن لأمدّ لها يدا ، ولأشحتُ بوجهي عن شجنها العميق ومعاناتها من التّشظي بين عراقيتها و(أمريكيتها) ، رغم إدراكي لتاريخ الكارثة التي أوصلتها لأن تكون مجندة ينتهي بها الحال ان ترمي ببدلتها الخاكية في برميل المطبخ بعد انتهاء مدة عقدها كمترجمة بين صفوف قوات جيش الاحتلال الأمريكي : "وضعت بدلتي الخاكية في كيس ورميتها في برميل المطبخ" ..
حتّى لكأنّي لمحتُ سماءً قاتمة رأيتها تظلل عالمها بعد وفاة جدتها وبعد عودتها لموطنها البديل ، بل إنّها سماء مثلجة تارة ، وشاحبة تارة أخرى وشوارع رمادية تلك التي ينبض خطوها بين ثناياه ،وأرصفته .
فأي شجن هذا الذي ملأ صدرها كعراقية – "عائدة من بغداد لديترويت كخرقة معصورة من خرق مسح البلاط" - تعشق بغداد ، وتردد جملة أبيها :"شلت يميني إذا نسيتك يابغداد"، وتعشق الشّعر العربي إلى درجة حفظها قصائد وأبيات عن ظهر قلب أحرجت بها أخاها في الرّضاعة مهمين ، وكمراهقة تفتحت أحلام شبابها الأمريكي في حي (سيفن مايل ) على وقع دموع أمها ، ونحيبها الصّامت لعسر ذات اليد.. فوجدتْ أنّ مبلغ العقد المبرم هو طوق النّجاة لها ولأمها : "سنة واحدة او سنتين بعدها تعتدل الأموروأغسل صدر أمي من سخام كل السجائرالرخيصة التي دخنَتّها بافراط وهي تنتحب كل ليلة ولا يحجب الحاجز الخشبي بين غرفتينا نحيبها . كانت تبكي ، أحيانا بدون صوت مثل تلفزيون محروق اللمبة وكنت ألمح بلل خديها وأعرف أن النّساء لايبكين من الهجران فحسب بل من شحّة مافي اليد "،
ذلك الشّجن الذي أنتقلت إليّ عدواه من شاشة اللاب توب حتى لكأنّي سمعتها وقد نزّ بها الجرح حين قيّضت لها صديقة جدتها " طاووس" حال (الكلب ابو بيتين ) شبيها لها، وحين انتهى حال زميلها مالك بالانتحار...حتى كيوبيد قد أخطا في رسم صورة لقصة حب تاقت لها فيمنحها حبا مستحيلا لأخ لها في الرّضاعة يشاء حظّها (العراقي) أن يكون منضويا تحت لواء جيش المهدي ...!

أخيرا لاأدري ، لكني أظنّها قد تنبأتْ بهذا الشّجن وبدء صراعها مع المؤلفة ومع جدّتها التي مافتئت تذكر مناسبة عيد الجيش من كل عام مستعيدة ذكريات زوجها العقيد... والتي اعتادت أن تذكرها بقلة أدبها ، وصراعها مع ذاتها ، مع زملائها في جيش الاحتلال ؛ ملخصة حالها بـ :
"من يومها وأنا بدأت أعي إصابتي بأعراض داءِ الشّجن وأتعايش معه ولا أبحث له عن دواء
كيف أقاوم الدّاء الذي أعاد إنجابي
وهدهدني
وكبّرني
وربّاني
وأدّبني فأحسن تأديبي ؟"


كوكب